الجمعة، 23 أكتوبر 2015

بداية إسرائيل كأُمَّة خيمة الإجتماع فى عصر موسى وسكنى الأسباط حولها




                             



لقد كانت بداية جذور هذه الأمة من خلال سام بن نوح (الجد الأول لجنس الساميين) ، وكان حـــــفيده "عابر"هو الجد المشترك للعرب من خلال إبنه"يقطان"، وأما بنو إسرائيل من خلال إبنه"فالـــــج" وهـو جد بنى إسرائيل والأموريين الذين كانوا يقيمون وسط الكنعانيين من سكان فلسطين بصــــــورة طبـــيعية ، ولكن بالرغم من إقامة إبراهيم وإسحق إبنه من بعده فى هذه الأرض إلا أن تسميتهم كأمة "بنى إسرائيل" كانت متأخرة عن هذا التاريخ .
 فقد إبتدأت كبداية بصفتها إسمَ علمٍ لـــ "يعــقوب بن إسحق"ولا سيما بعد عودته من عند خاله لابان الذى كان يقيم فى آرام النهرين شمال بلاد الرافدين ، حيث عاد بأبنائه وزوجاته الأربع "ليئة وراحيل والجاريتين"، وكان لديه قطعان من الماشية والأغنام فكان حلوله بمثابة إقامة لجنس مســـــــــتقل له خصوصياته وتميزه .
ولقد كان تسجيل"مرنبتاح"الفرعون المصرى حوالى عام 1224 – 1215 ق.م (أو بحسب مدارس تاريخية أخرى ) حوالى 1238 – 1229 ق.م  لإسم بنى إسرائيل مفيدآ فى إثبات وجـــود هذا الكيان الإجتماعى المُمَيز ، فهذا التعبير يفيد بأنه قد وُلِدَت هذه الأمة من قبله،فهــناك منهم من يشير إلى هذا التسجيل لكى ينسـب حادثة الخروج لمرنبتاح أو والده"رمسيس الثانى"،وفات عليهم أن"مرنبتــاح" لم يقطع بقوله هذا ما إذا كان قد حدث الخروج الفعلى كما نعرفه فى سفر الخروج،أم لا!! ، بالإضافة لأن هذا التاريخ يـُعتـَبـَرُ حديثآ جدآ لا يتناسب مع تاريخ الأحداث التى صاحـبت عملية الخروج وكذلك يتناقض مع الوقائع التى سبقت عملية الخروج ذاتها .
فالأثريـون يكشفون عن بدايات أقدم لتسمية بنى إسرائيل كأمة تعود لعصر الأسرة الثــــــــــامنة عشر التى بدأت بأحمس الــذى طرد الهكسوس حوالى عام1571 ق. م فكانت الأسرة الثامنة عشر مــــــنذ حوالى عام1550 – 1307 ق.م قبل أسرة الرعامسة(التاســــــــعة عـشر)،فقد كان الفراعنة فى أيام ما بعد الهكسوس لا يسمحون بذوى الأصول الأسيوية من الإنخراط فى الجندية، بل كانوا يُسَّخِـرونهم فى العمل الشاق .
 لكن هذه المقومات التى جَمَّعَت فيها هذه الأمة كان أهمها على وجه الإطلاق هو ما تعرضــــت له فى أرض مصر أيام الهكسوس،من قبل،الذين كانوا يرحبون بوجودهم كأقرباء ليوسف،الذى وفد عـــــلى فرعون هكسوسى،كان يُحِب إستخدام الأسيويين أمثاله،وما حدث بعده من ممارسات ضــدهم كــتوابع لعملية طرد الهكسوس،تلك المقومات ساعدت على إنشاء هذا الكيان المتميز رغم كونه لم يكن كــيان ذو شكل دينى متميز عن سواه فى أرض مصر،بل بدأ إضافة هذا العنصر لديه من عناصـــــر مقومات هذه الأمة،أثناء الضربات التى مُنىَ بها المصريون على يد موسى،فبدأ بنو إســرائيل فى التعرف على الإله الخاص بأمتهم .
وبالرغم من وجود أكثر من ثلاث نظريات بخصوص خط سير هذه الأمة عند خروجها من مصر،لكنها فى النهاية تتفق جميعها حول عبور ما كان يسمى"بحر سوف"سواء كان هو البحر الأحمر كـــــــــما نعرفه عند خليج السويس أو ملحقاته التى نسميها اليوم"البحيرات المُرة"،ثم توجهوا بعد ذلك صوب المشرق عَبْرَ سيناء أو"برية سين"،تحت لواء موسى الذى أعلن لهم عن الإله"يهوه"الذى أنقذهـــم من عبودية المصريين لهم،ليكونوا شعبآ خاصآ له،ينتمون بالولاء له،ويحفظون وصاياه التى تــــــبدأ بالوصايا العشر وهى تحثهم على عبادته وحده دون سواه،وبدون السعى لعمل أى صـــــورة أو تمثال له،وأن يتـعاملوا مع إسمه بإحــترام كامل،ويحافـظوا على عــبادته،والتـفرغ لذلك يوم الســبت من كل إسبوع،ويكون إحترامهم ليهوة بالفــكر،والــقول،والــعمل،والسـلوك بموجب هذا العهد المقدس بينهم وبينه،وأن عليهم أن يتحلــــوا ببعض من الصـفات المأخـــــوذة عنه بوصفه إلههم فى بــره وقداسـتة ورحمته وعدالته طوال أيام حياتهم .
هذا النوع من العلاقة بين الله وهذه الأمة هو ما يُطلِقُ عليه العلماء إسم"التوحـيد"
Monotheism بعكس تلك العبادات التى كانت تمارسها كل الأمم المحيطة بهم وهى تقوم على"التعددية"بتعدد الآلهة
Poilytheism   فقد كانت تمـارس عبادة آلـهة الـطب وقت المـرض،وإله المـطر وقـت الـرغــبة فى إستنزاله،بمعنى أن الفرد الواحد كان يلجأ لأكثر من آلهة وفقآ للظروف المخـــــــتلفة التى يتعرض لها طيلة حياته،أما فى التوحيد فإن كل الظروف وكل الأحوال لا تُغَير إنتماء الفرد لله الذى يجــتمع فيه كل الأغراض والأهداف التى لأجلها يلجأ البشر للعبادة والتوحيد يــمنعهم من اللجوء لإله آخر مهما كانت الظروف التى يتعرضون لها،وقد كان المصريون لديهم هذه الفكرة فى عصر"إخناتـــــــــــــــــون"أى "أمينوفيس الرابع" 1390 – 1353 ق . م ولكن كهنة الإله الآخر الذى أهمله تمكنوا من هزيمـــته ليختفى "أخناتون" فى ظروف غامضة .
ولأجل الوصول إلى تلك الغاية- أى التوحيد وحرية ممارسة العبادة من خلال ذلك المبدأ –كان موسى يقوم بمختلف الأدوار أمام جمــــاعته،فقد كان يمــــارس الكهنوت قبل إسناده لبنى هارون هذا الدور ،وقبل تنظيم"الكهنوت الهارونى"بما لهذا الكهنوت من لوائح تنظيمية غاية فى الدقة .
 كما كان هو الملك قبل أن تعرف هذه الأمة وجود ملك من بينها يحكمها – فى أيام شـــــاول فيما بعد – لكنه كان ملكآ لهذه الأمة غير متوجآ وغير ملقبآ بلقب ملك .
 كما كان هو قاضى هذه الأمة قبل إسناده هذا الدور للشيوخ فيما بعد .
 بل وكان هو المعلم لهذه الأمة الذى يلقنها المبادىء الأساسية للحـــقوق والواجــبات تجاه الله وتجاه بعضهم البعض أو تجاه الجماعة ككيان عام .
وقد تولى موسى دوره فى قيادتهم عبر الصحراء حتى الأردن،حيث توفى هناك فى"عربات مـــوآب" أى بادية موآب،بعدما قام بتربية جــيلٍ كــاملٍ من الـقادة،الذين تعلــموا منه منذ نعومة أظافرهــم حتى وصلوا إلى سن الشباب عبر 40 عامآ،وهم الذين حملوا لواء دعوته من بعده .
وبذلك كان الشعب بعد وفاة موسى قد إنصهروا فى بوتقة واحدة،وصاروا يُشَّــكِلون جماعــــة متميزة يربطها وحدة الأصل  حيث أنهم نسل الأسباط الإثنى عشر،والمُعتَقَد حيث أنهم ينتـمون للعهد المـقدس فى الولاء والإنتماء فى العبادة ليهوه وكان تابوت العهد هو"رمز توحد هذه الأمة"وكان تابوت العهد فى خيمة الإجتماع،وكانت خيمة الإجتماع فى وسط تلك الجماعة،ثم يُرفع ويتم حمله عــند رحيلهم من مكان لآخر ليُعاد نصب الخيمة حيث يستقر التابوت فيها ويُحيط بها الأسباط فهى تُقَامُ فى "وســـــــط الجماعة" .
ومع أن وحدة الأصل والإنتماء كانت هى القاعدة الأساسية لتكوين هذه الأمة،إلا أننا نجد بعــض ذوى الأصول الأخرى الغير يعقوبية( نسبة ليعقوب جدهم)أو الغير الإسرائـــيلية قد ذابوا فى وسط الجماعة وصاروا من ضمن هذا الشعب،ومن بين هؤلاء كان القينيون،وهم أنسباء موسى من المديانيـــــــــن، والقنزيون وهم من نسل أدوم ، واليرحميليين الذين إنضموا لسبط يهوذا،وهم فى الأصــــــــل كما هو مُرَجَح من العماليق الفلسطينيون .
واستقرت هذه الأمة كمجتمع زراعى مستقر فى أرض كنعان حيث صارت العبادة ليهوه خالصة،هـــذه العبادة التى منعتهم من الإختلاط بالكنعانيون والأمم الأخرى للذوبان فيهم،وعبادة آلهتــهم كما صـــار الحال بالقينيون واليرحميليون الذين ذابوا وسط بنى إسرائيل ودخلوا معهم العهد المقدس،وكـــان هذا العهد يمنعهم من التقرب لآلهة الأمم الأخرى .
وتمثل منطقة"قادش برنيع"المرحلة الأولى لتكوين هذه الأمة بمعناها الدينى(راجع الخريـــــــطة هذه الصفحه صفحة 7)، ففى البداية كان هناك الموقع الذى لا يُنسى حيث أخرج لهم الله ماء فى البريـــــة القاحلة من الصخرة فشربوا وإرتووا .
 وفى هذا المكان كذلك ماتت مريم أخت موسى وهــرون،وفى هذا المكان كذلك أرسلوا ليســتأذنوا من ملك آدوم للعبور فى أرضه .
وهناك كذلك أرسلوا جواسيسآ لأرض كنعان لكى يستطلعوها .
 وبالرغم من رد ملك آدوم الجاف عليهم .
 وعودة الجواسيس الذين حملوا إليهم أخبارآ ثبطت همتهم،تفيد تفوق سكان الأرض وحـــــملوا معهم عنقودآ ضخمآ من العنب،إلا أن هذا المكان كان هو نقطة الإرتكاز لتهيئتهم لدخول الأرض فيما بعد .
واسم المكان"قادش برنيع"يدل على وجود مذبح أو مكـان مــقدس فى هذه البقعة كان سببآ لتسميتها بهذا الإسم قادش(أو مقادس)،وهى فى المنطقة التى تسمى اليوم عين مشفاط
*4 راجع الخريطــــــــة 


--


لقد كان توجههم فى البداية صوب الشمال بداية من الجهة الشرقية للبحر الميت ونهر الأردن،حــــيث خاضوا العديد من الصراعات مع الأدوميين والعمونيين والموآبيين ولا سيما ملوك بنى عــــــــــــمون "سيحون" و"عوج"،ثم كان صراعهم مع المديانيين والأموريين . راجع الخريطة  صفحة 7 .
وبالتالى كان إستقرار بعض الأسباط من الجماعة مجموعهم نحو سبطين ونصف فى تلك الـــــــــجهة الشرقية وهم سبطا"جاد ورأوبين"بالإضافة لنصف سبط"منسى"،وأقاموا فى الأرض التى إمتلـكوها مجتمعات زراعية مستقرة ، قبل عبور بنى إسرائيل الباقين إلى غرب نهر الأردن بواسطة" يشــوع" ليتملك باقى الأسباط أراضى من الكنعانيين لتقسيمها على باقى الأسباط .(راجع الخريطة صفحة 2)
ولكن من المُلاحَظ أنهم توجهوا إلى أرض كنعان بسلوك طريق غير منطقى وغير تقليدى فقد فضَّــلوا الدخول إلى هناك عبر ما كان يسمى بإسم الطريق الملكى ( أى ما يقابل الأوتوســــتراد الدولى حاليآ) الذى يمر على أرض أدوم صوب الشمال بمحاذاة نهر الأردن من الجهة الشرقية ، وقد كان مُخَصَصآ لعبور قوافل التجار القادمين من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام .
  بينما كان من المفروض أن يدخلوا لفلسطين من الشمال على ساحل البحر الكبير ( المتوسط اليوم)  بمحاذاة البحر وهو الطريق الطبيعى الذى يسلكه المسافر القادم من مصر لبلاد الشام .
 ومن الظاهر أن السبب كان لتجنب الصراع مع الفلسطينيون العمالقة المقيمين فى تلك المناطق وقــد كان شعب بنى إسرائيل فى مرحلة مبكرة جدآ من تكوينه غير مؤهل لهذه المجابهة الحربية.
وقد يكون بسبب آخر مثل: ملاحظتهم لوجود نشاط عسكرى مصرى مكثف فى ذلك الوقت، حيث كان من المحتم أن يستخدم الفراعنة هذه المنطقة لعبور تحتمس الثالث نحو مجدو شمال فلسطين،وهــذه هى النظرية التى أتبناها بخصوص زمان خروج بنى إسرائيل من أرض مصر، لأنهم خرجـــــوا أيام "تحتمس الثانى" ( راجع الجزء الثانى صفحة 4 -   10
) وهذا هو السبب الذى أميل له .

-------The holy Land , Antiquity and Survival , II 2/3 pp 289 -293 *4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق