الأحد، 31 يناير 2016

فترة الحكم المقدونى والصراع بين السلوقيين والحشمونيين حوالى عام 320 – 63 ق.م تقريبآ وتقييم مكانة المكابيين ودورهم التاريخى

 ثانيآ :- فترة الحكم المقدونى
والصراع بين السلوقيين والحشمونيينحوالى عام  320 – 63 ق.م تقريبآ

الشاقل الذى قام بصكه سمعان المكابى حوالى عام 136 ق. م

لقد كانت الفترة ما بين إنتصار "الإسكندر الأكبر" على "داريوس الثالث" الملك الفارسـى المـُلَقـَب ب "كودومانوس" حوالى عام 331 ق. م تقريبآ . ثم إحراقه عاصمــــــــــــة الـفرس ﭙيرسيپوليس Persepolis  حوالى عام 330 ق.م تقريبآ بداية تنفس المنطقة الواقـــعة فـى الشرق الأوسط لنسائم الحرية ، والحـُــــــــــــلم بالتحرير من سطوة الفرس وحكامهم وولاتهـم المنتشرون فى كافة المقاطعات الغربية والواقعة فى منطقة الشرق الأوسط.
حتى كانت القوة الحربية لتلك المقاطعات لا تكاد تتألف من أكثر من عشرات ، أو على الأكــــثـر مئات من الجند الذين كانوا مكلفين بحماية أولئك الولاة وسط مقاطعاتهم فكان الطريق مفتوحــآ للإسكندر للتوغل وتحقيق أحلامه وطموحاته المبنية على التوحيد الثقافى لتلك الشعوب مــــــع الثقافة اليونانية ( لأنه مقدونى ومقدونيا كانت إحدى الولايات اليونانية) وأطلق على تــــــــــلك الثقافة الوليدة التى كان يحلم بها إسم "الثقافة الهيلينستية".
وبالرغم من وفاة الإسكندر حوالى عام 323 ق.م أى بعد ذلك التاريخ بنحو سبع سنين بالحـمى ( كانت مدة حكمه من مقدونيا حتى وفاته من حوالى عام 334 – 323 ق.م (أى) احـَد عــــشر عامآ ) ، وكان حلمه هذا مـُحـَبـَبآ لتلك الشعوب – فحتى ملوك الفرس أنفسهم كانوا يتبـــــــــنون الثقافة اليونانية بدليل تلقيب أنفسهم بألقاب يونانية إلى جوار لقبهم الفارسى – إذ سرعــــان ما وطنوا أنفسهم على التمسك بذلك الحلم ، فهو يبعث فيهم الأمل للنهضة الثقافية بعدما جرّفـَّــــت السلطة الفارسية كل عوامل لنهوضها ، وبالنسبة لمنطقة فلسطين فإنها قد تعرضـــــت قبل تلك السلطة الفارسية للسلطة البابلية والأشورية ، مما جعل تقدمها ونموها الحضارى المبــنى على تطوير وتجويد التراث الحضارى فى ظل الإحتلال أمرآ عسيرآ أدى بها للتخلف الحضــــــــــارى الشديد .
فتمسكت تلك الشعوب بالثقافة الهيلينستية، وإنتشرت اللغة اليونانية لديهم كإنتــــــشار النار فى الهشيم وإستخدم أدبائهم اللغة اليونانية الكوينى أو الهيلينستية التى تمـَيـَز بها هذا العصر حـتى كان حكام تلك المنطقة من خلفاء الإسكندر الأكبر يجدون أنفسهم يجابهون ضــرورة نقل التراث الشرقى الذى تتبناه هذه الشعوب للغة اليونانية فهذا النقل من ناحية : يـُـفيدهم فى التعرف على طبيعة تفكير شعوبهم ، ومن ناحية أخرى: يشجع أهل تلك البلاد على تبـّـنى اللغة الجديدة (أى) اللغة اليونانية كبديل للغاتهم مما يسهل عملية التواصل بين هؤلاء الحكام ومحكوميهم .
ولذلك أمر " بطليموس " بإنشاء " مكتبة الإسكندرية " وضم إليها أُمهـَـات الكتب من كافة الأنحاء بالإضافة للكتب اليونانية المنشأ ، وشرع اليهود الإسكندريون من جانبهم – بعدما عجت الإسكندرية بمختلف الجاليات الوافدة من كل أنحاء الإمبراطورية – بترجمــــــــة التوراة والعهد القديم إلى اللغة اليونانية الكوينى فيما صار يـُعرف بإسم الترجمة السبعينية التى تم إنجازها من منتصف القرن الثالث قبل الميلاد حتى منتصف القرن الثانى قبل الميلاد .
ليس ذلك فقط بل كان اليهود فى فلسطين رغم حروبهم ضد السلوقيــــــــــين كانوا يتبنون اللغة اليونانية الكوينى بدليل :-
1-كتابة أسفار المكابيين بها رغم أنها مكتوبة فى الأصل لإرسالها إلى يهود الإسكـــــندرية الذين يـُـفتـَرَض معرفتهم للغة العبرية بإتقان كافِ .
2-تسمية مواليدهم بأسماء مزدوجه (إسم عبرانى) يصاحبه ( إسم يونانى) وظلت هذه العــــادة مـُتَبعة حتى فى عصر كتابة العهد الجديد وميلاد وحياة الرب يسوع،فلا ننسى"سمعان" المدعو "بطرس"و"شاول"المدعو"بولس" ... ألخ بل وحتى أبناء "متاتيا" الكاهن الذى يُـعتَبـَرُ جــد المكابيين ، أعداء السلطة السلوقية الحاكمة ، دعا أولاده بتلك الأسماء المزدوجة الإنتمــاء كما يلى:  "يوحنا" المـُـلـَـقـَـب "بكديس"، "سمعان" المـُـلـَـقـَـب "بطسى" و"يهوذا" المـُـلـَـقـَـب "مكابيوس" أو "المكابى" و"ألعازر" الملقب "إوران" و"يوناثانَ" الملقب "أفوس".
وبالرغم من كون فكرة إنتشار الثقافة اليونانية كانت هدفها فى فلـــــسفة وفكر الإسكندر وسيلة لتجميع وتوحيد هذه الشعوب ، إلا أنها أدت لنتيجة لم تكن فى حسبان الإسكندر ذاته ولا خلـفائه ، فقد كان لها نتائج بعيدة المدى عندما إستخدم الله هذا الفكر لتوحيد اللغة التى يمكن لتلاميـــــذ الرب يسوع ورسله من نقل الرسالة إلى كل أنحاء العالم القديم إعتمادآ على وحــــــــــــدة اللغة وتسهيل الكرازة ، وفى الوقت ذاته كان لها نتيجة ظهرت بسرعة عندما تعرفت الشـــعوب على ثقافتها الأصيلة ، ليس من خلال النصوص الواردة فى كتب تراثهم بلغاتهم الأصلـية ، ولكن من خلال تلك الكتابات اليونانية الأكثر تطورآ فى الإخراج لشكل المخطوطات ومادة الكـــــتابة عليها وبروز معانى ومرادفات كلماتها التى صارت أمثر فهمآ لأنها مكتوبة بلغة عصرية مفهومـــــــة تتوافق مع أفكار الأجيال الجديدة ، حتى إن كتبة العهد الجديد ذاته لم يعتــــــــــمدوا فى الشواهد المقتبسة عن العهد القديم على اللغة العبرية ( بالرغم من كونها لغتهم الأصليـــــــة) ولكن على الترجمة السبعينية للعهد القديم باللغة اليونانية الكوينى .
ذلك الوعى بذلك التراث وفهمه بلغة العصر أدى إلى
إستيقاظ الوعى القومى لديهم ورغبتهم فى التحرر والإستقلال ومواصلة مسيرة أجدادهم وأسلافهم وفق ثقافتهم النوعية ( ربما بعد إضافة شىء من متطلبات العصر الأكثر حداثة) وهذا ما حدث لبنى إسرائيل فى ظل الحكم السلوقى.
وكادت وحدة العالم القديم الثقافية والسياسية التى أنشأها الإسكندر أن تنفصم لولا الرومــــــان الذين نـَـصـّـَبوا أنفسهم ورثة لذلك العرش المترامى الأطراف ، فأخضـعوا تلك المنطقة ليس من خلال الوحدة الثقافية كما فعل الإسكندر ولكن بقوة القانون والدولة فيما صار يعرف بإسم : "السلام الرومانى"
وإليكم تاريخ تلك الفترة السلوقية من بدايتها بإختصار :
بعد مرور قرنين من الزمان
على بداية عودة المسبيين إلى "أرض فلسطين" ( وهذا هو إســـم البلاد منذ زمان "هيردوتس" ولذلك إعتمدته السلطة الرومانية فيما بعد ( راجـــــع صفحة 19 من الجزء الأول) بدأ عزرا ونحميا وزربابل وغيرهم من قادة الشعب عملية إعادة هيـــــــــــكلة المجتمع اليهودى ، وبالرغم من كون حـُـلم الدولة أو المملكة كان فى أذهانهم ، إلا أنــــهم ومن تلاهم من خلفاء كانوا يجدونه حـُـلمآ بعيد المنال أو يقع ضمن المستحيلات فبالرغم مــــــــــــــن تحريرهم الظاهرى إلا أنهم لا يزالون مـُـستعبـَدين من الفرس يؤدون الجزية تحت مـــــــــــسمى ضرائب ويحكمهم ولاة من الفرس يأتمرون بأمر الإمبراطور الفارسى ، وتتكون حامياتهم مـــن نفر قليل من العسكر الأغراب الذين يتحركون وفق أوامر الحاكم ، ولم تكن لديهم بعد محــــــــنة السبى رغبة فى إعادة تاريخ الصراع مع القوى المهيمنة فى الجوار فصارت الدولة وتكوينـــها بالنسبة لهم مجرد حـُـلم لا يجرأون حتى للبوح به أمام بعضهم البعض .
حتى هلـَـت رياح التغيير بإنتصار الإسكندر الأكبر على الفرس فتحطم الصنم الفارسى
*25الذى كـان يخيفهم ويمنعهم من حلم تكوين الدولة ، وبدأ الحكام المقدونيـون والولاة ينتشرون مكـان الولاة الفرس ، وصارت الجزية أو الضرائب تؤَدى لهم وليس للفرس وما كان يشتكى مـــــــنه الفرس من اليهود كما جاء على لسان "هامان الأجاجى" فى أستير 3 : 8 من توجه اليهـــــود للإنتـشار النوعى أو التهويد Diaspora صار واضحآ وجليآ فى إستفادتهم من الغزو المقدونى ولنرجع إلى النص حيث يقول
 "8فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ: «إِنَّهُ مَوْجُودٌ شَعْبٌ مَّا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ بِلاَدِ مَمْلَكَتِكَ، وَسُنَنُهُمْ مُغَايِرَةٌ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَهُمْ لاَ يَعْمَلُونَ سُنَنَ الْمَلِكِ، فَلاَ يَلِيقُ بِالْمــــــــَلِكِ تَرْكُهُمْ.

وهكذا كان فى ذلك الزمان الذى واكب سبيهم إلى بابل أنهم كانوا ثابتين على نفس التوجـــــهات فى الإنتشار ، فكما علمنا أنه كان من بين المسبيين ليس فقط من سباهم الملوك فى حروبهـــــم ولكن أشخاص فروا من تلقاء ذواتهم إلى عاصمة المملكة ومدنها الكبرى طلبآ للعيش الرغد أو الذى تتوافر فيــه عوامل العيش الكريم بعد خراب ديارهم .
 وكان بحلول مطالع الغزو المقدونى أن وجـــه اليهود أنفسهم تجاه الغرب صوب بلاد أخرى كالإسكندرية والقيروان  Cyrene وكافة المدن على الشاطىء الإفريقى الشمالى وغـــيرها من المدن حتى روما وأسبانيا فى أوربا، ولكن الغريب فى هذه المرة أن كان فى إنتشارهم هذا ليـس لخدمة كيانهم كيهود ولكن كشعب يحمل الثقافة الهيلينستية بين جوانحه، فقام يهود الإسكندرية بترجمة العهد القديم للغة اليونانية الكوينى وشرعوا فى ذلك قبل مرور مائة عام على وفاة الإسكندر ، بل وكانت كتاباتهم حتى تلك التى تسعى لتغذية الوعى القومى وتهدف لإلهاب المشاعر القومية والعرقية مثل أسفار المكابيين كانوا يكتبونها باللغة اليونانية الكوينى .
 ولكن على الجانب الآخر تأثروا بالفلسفة اليونانية وإقتبسوا مفاهيمها ، كـما تأثروا بالأفكار الوثنية فى البلاد التى إستقبلتهم ، ولكن إلى أى مدى كان هذا التمازج بينهم وبين تلك الشعـوب التى تسكن فى هذه البلاد ؟
يجيب " يوسيفوس" المؤرخ على هذا السؤال بسؤال آخر وهو :
 إلى أى مدى كان من الممكن أن تتعايش أى أسرة يهودية بارزة مع أفراد مجتمع كان يـنظر إليهم بنظرة" توجس Unscrupulous "حتى لو كانت درجة ذلك التوجس أقل من تلـك الـتى كانوا يعانون منها فى المجتمع الفارسى ومع ذلك يجب أن نضع فى إعتبارنا أن هدف اليهــودى من هذا الإغتراب الجديد هو جلب المزيد من الثروة فى ظلال الحكم الهيلينستى وأقرب مثل لذلك عائلة "طوبيادس" Tobiads اليهودية التى سكن أغلب أفرادها فى الإسكــــندرية والتى عمل أبنائها فى جلب الضرائب لصالح الدولة فى العهد البطلمى ثم فى العهد السلوقى ؟.
لقد كان بطليموس وسلوقس هما أبرز ورثة الإسكندر تأثيرآ على مصــــر وســــوريا وما وراء الأردن حتى ما وراء الفرات ، وكان منذ حوالى عام 320 ق.م حـــــــتى حوالى عام 198 ق.م تـُحكم هذه المنطقة بواسطة البطالمة وتشمل مصر بما على الساحل الغربى للبحر المتوسط من حواضر ومدن وبلاد كلبنان والساحل الفينيقى واليهودية والسامرة .
والواقع أنه حتى"الإسكندر الأكبر"ذاته مؤسس الحكم المقدونى- قبل تقسيم تركته فى الحكم  على يد ورثته - لم يكن يهتم بمنطقة اليهودية فى حد ذاتها كمنطقة بارزة فى أهميتها ، ولكــــنه كان يراها بمثابة همزة الوصل بين "الإسكـــــندرية" التى قام بإنشائها وبين المقاطعات البابلية والفارسية التى وضع يده عليها كإرثٍ من الفرس المنهزمين، فقد كانت اليهودية تقع بين مصر وسوريا فصار الحــــكام فى مصر فى العهد البطلمى يحكمونها بشكل تلقائى طبيعى حتى حوالى عام 198 ق.م تقريبآ . ففى حوالى عام 198ق.م إنتصر السلوقيين على الحاكم البطـــــلمى فى مصر "بطليموس الرابع فيلوﭙاتير" PtoemyIV Philopator فى موقعة "ﭙانيــــون"*26 Panion قرب منابع نهر الأردن وإسمــــها الأكثر حداثة هو "قيصرية فيلبس" وكان نتيــــجة لذلك أن سعى"أنتيوخـوس الثــالث "AntiochIII    لجعل"الســـــامرة"بالنسبة له بديلآ عن "الإسكندرية"بالنسبة للبطالمة،وكان المقصود بمقاطعة السامرة التى كانت عاصمـــــــــتها هى "السامرة" كما كان يعتبرها الفرس كمقاطعة إدارية ، وورثها الإسكندر عنهم أنها تضــــم ذلـك الإقليم كله حتى المنطقة الغربية التى تصل للبحر بالإضافة لإمتدادها الجنوبى،ولكنه عانى كثيرآ من هزيمته على يد الرومان فى موقعة"ماجنيزيا" Magnesiaحوالى عام 190 – 189 ق.م تلك الهزيمة التى كلفته كثيرآ مما دعاه لرفع قيمة الضرائب على ســـــكان منطقة اليهودية كلها والتى كان يعتبرها تابعة للسامرة والتى كانت تضم فى تقسيمه الإدارى الســامرة وغربها حــتى البحر وجنوبها حتى أدومية.
أما إبنه"أنطيوخوس الرابع( أبيفانيـــــــــــس)"
Antiochus IV Epiphanesحوالــــى عام 175 – 163 ق.م فهو الذى حاول إستعادة هيبة الحكم بعد الهزيمة التى حدثت لوالده فـــــأوفد لمصر حملتين عسكريتين  لمحاربــة البطالمة حوالى عام 169ق.م و 168 ق.م ولكن البطالمة وكذلك الرومان أجبروه على التـخلى نهائيآ عن أحلامه وطموحاته فى التوسع وصـــــارت بذلك أرض اليهودية هى منطقة عملــــيات حربية للمصريين ولذلك سعى أنطيوخوس لإجبار السكان فى تلك المنطقة للخضوع له بالكامــل فأشار عليه بعض مشيرية الغير أكفـــــاء ( وفى قول آخر ينسب بعض المؤرخين له شخصيآ الجنون والإجرام ) بأن يسعى لتغيير نمط ثقافتــــهم وفكرهم الدينى حـتى يكون متمـــــاشيآ مع توجهاته ف"فريضة الختان"و"حفظ يوم الســبت"يتناقضان مع توجهات الدولة ويعوق عملية الإندماج الثقافى  فوضع تمثال*27 "زيوس الأوليــــــــمپي" Zeus Olypios فى هيكل أوروشليم ، وأطلق عليه اليهود إسمآ آخر هو "رجس المخــــــرب " Abomination of Desolation  هذا الإسم الذى ورد من قبل فى نبوة النبى "دانـــيال" بينما وضع تمثال "زيوس كزينيوس"Zeus Xenios  فى هيكل جبل جرزيم الذى فى السامرة ، ولكن اليهود كانوا يُـعلون ويـُـقدِرون قدر حريتهم الدينية ويقدرونها لدرجة التقديس فـقرروا الصراع للحصول عليها وعصيان السلطة ، قبـــل حريتهم السياسية والتى حصلوا عليها فيـــما بعد حوالى عام 140 ق.م  من "دان" إلى "بئــر سبع" .وهكذا كان الصراع بين الحكام السلوقيين وأسرة الحشمونيين وأتباعها مما أطلق عليه فى ذلك الحين إسم "حروب المكابيين " .
إن كلمة"المكابيين"هى كلمة يونانية باللغة الكوينى التى كانت قد إنتشرت فى ذلك الوقـــــت فى كل المنطقة μακκαβαιος"  "(وهو لقب"يهـــــــوذا"أعظم وأول قادتهم بعد موت والده "متاتيا" الكاهن وتـُـنطـَـق "مكابياس") ويعنى هذااللقب باللغة اليونانية"الشــــــــاكوش" أو "المطرقة" وقد تمسك أتباعه بهذا الإسم ليطلقونه على كل من يؤيدهم وكأنهم مــطارق لتحطيم الحكم السلوقى، وأما "يوسيفوس" فقد ذكر أن لقب الحشمونيين Hasmonaens  هو تسمية لها إنعكاساتها فى كتابات وآداب " الكتبة" وهى طائفة الفقهاء فى الشريعة .
كيف بدأت الثورة

نظرآ لأن منطقة"سوريا"صارت تحت حكم السـلوقيين ، و"مصر"تحت حكم البطــــالمة كورثة لحكم المقاطعات التى سيطر عليها"الإسكندر الأكبر"من قبل وفاته ، فإن مـــنطقة اليهودية التى لم يشملها هذا التقسيم صارت مطمعآ لكل من الفريقين . فكل فريق كان يرغب فى ضم منــــطقة فلسطين لسلطته ونفوذه، وعندما نجح السلوقيين فى السيطرة عليها وطرد البطالمة حوالى عام 198ق.م تقريبآ بواسطة"أنتيوخوس الثالث"، وكان خليفته"أنطيوخوس الرابع"أبيفانيس كما يذكر له التاريخ ذلك أنه كان مجنونآ وسيئآ وخطيرآ حيث أنه قام ببيع رئاسة الكــهنوت لشخص إسمه "مينيلاوس "
Menelous ولم يكن هذا الشخص من بين المؤهلين لرئاســــــة الكهنوت بحسب الشريعة ، فرفضه المجتمع اليهودى ولكن كان رد فعل هذا الرفض لدى"أنطيوخـــــوس الرابع" هو أنه أرسل جنوده لنهب أورشليم وذبح سكانها .
وبعد ذلك بدأ فى ممارسة الإضطهاد الدينى ضد اليهود فأمر بإلغاء السبت وفريضـــــــة الخــتان
وهدد بقتل كل من يخالف هذه الأوامر، كما أمر بتقديم ذبيحة للوثن أمام التمثال الذى وضعه فى الهيكل مع ممارسة الزنى والفحشاء داخله ، فقاوم اليهود ذلك الإنحطاط والفظاظة ، وجــــــدير بالذكر أن النبى دانيال كان قد سبق فأنبأ الشعب بها فى نبوته ( راجع دانيال 11: 31- 33 )
31وَتَقُومُ مِنْهُ أَذْرُعٌ وَتُنَجِّسُ الْمَقْدِسَ الْحَصِينَ، وَتَنْزِعُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ، وَتَجْعَلُ الرِّجْــــــــــــــسَ الْمُخَرِّبَ. 32وَالْمُتَعَدُّونَ عَلَى الْعَهْدِ يُغْوِيهِمْ بِالتَّمَلُّقَاتِ. أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلهَهُمْ فَـــــيَقْوَوْنَ وَيَعْمَلُونَ. 33وَالْفَاهِمُونَ مِنَ الشَّعْبِ يُعَلِّمُونَ كَثِيرِينَ. وَيَعْثُرُونَ بِالسَّيْفِ وَبِاللَّهِيبِ وَبِالســــــــــَّبْيِ وَبِالنَّهْبِ أَيَّامًا. 34فَإِذَا عَثَرُوا يُعَانُونَ عَوْنًا قَلِيلاً، وَيَتَّصِلُ بِهِمْ كَثِيرُونَ بِالتَّمَلُّقَاتِ. 35وَبَعْــــــــــضُ الْفَاهِمِينَ يَعْثُرُونَ امْتِحَانًا لَهُمْ لِلتَّطْهِيرِ وَلِلتَّبْيِيضِ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. لأَنَّهُ بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ.
ولكن كان هناك بعض اليهود الذين إستسلموا لهذا الأمر، وعلى وجه آخر كانت هناك فئة أخرى قررت الإستبسال فى مقاومة هذا الطغيان
*28( راجع مكابيين الأول 1: 60 ، 2 : 29 )
" وكل من وجد عنده سفر من العهد أو إتبع الشريعة فإنه مقتول بأمر الملك"
"حينئذ نزل كثيرون إلى البرية ممن يبتغون العدل والحكم "
وفى مكابيين الثانى 6 : 18 " كان رجل يقال له العازر من متقدمى الكتبة طاعن فى السن رائع المنظر فى الغاية فأكرهوه بفتح فيه على أكل لحم الخنزير"
فلم يكن"أنطيوخوس"يـُـقـَـدِرُ ما تعود عليه الـــــشعب من الإبتعاد عن النواهى الشرعية وإتباع عادات ناموسية خاصة فلم يـُـقـَّـدِر مثلآ الإحتشام فى المظهر الذى كان يمارسه الحاصاديم ( أى رجال العهد أو الموالين الذين تمت ترجمة إسمهم للعربية بتعبير:"الحسديين") وهم الرجـــــال الذين نذروا أنفسهم للشريعة. راجع مكابيين الأول 2: 42
" حينئذ إجتمعت إليهم جماعة الحسديين ذوى البأس فى إسرائيل وكل من إنتدب للشريعة" 
لقد كانت بداية الصراع إذآ عندما أمر"أنطيوخوس"عام 175 ق.م تقريبآ "متتيا" الكــــــاهن اليهودى بــتقديم ذبيحة لزيوس فرفض "متتيا" ، وتقدم رجل يهودى لتنفيذ أمر"أنطيوخوس" بــــدلآ منه فقتله "متتيا" كما قتل نائب"أنطيوخوس"المكلف بالإشراف على التنفيذ ثم هــــرب للجبال هو ومريديه وأتباعه ، فما كان من"أنطيوخوس"أن أدرك أن اليهود بسبب حفظهم ليوم السبت غير مهيئين للقتال فيه فأرسل إليهم حملة فى يوم سبت هجمت عليهم وقتــــــــــلت منهم حوالى 1000 شخـــص ومن ذلك الوقت فصاعدآ صارت الحرب بين الفريقين .
لقد تم قتل الكثير من أتقياء اليهود بسبب عدم تفريطهم فى مبادئهم الدينية فى نوع من الجــهاد السلبى من أجل مبادئهم لكــــــن أسرة "الحشمونين"
Hasmonaeans التى ينتمى إلـيها*29 "متتيا" Mattathias of Modinقررت الجهاد الإيجابى بإستخدام السلاح ، و"متتيا" هــذا هو "متاثيا بن يوحنا بن سمعان" وكان كاهنآ من "بنى يوياريب" وسكن فى "مودين" لذلـــك صار إسمه"متاثيا المودينى"أو "كاهن مودين" وكان له خمسة أبناء هم بحسب ترتيـــبهم من الكبير للصغير كما يلى :-
"يوحـــنا (بكديس)" و"سمـــعان( بطسى)" و"يهـــــــوذا (المكابى)" و"لعـــــازر( أوران)" و"يوناثان (أفوس)"وتلاحظ إزدواجية أسمائهم بحيث يكون الإســـــــم العــبرى مصحوبآ بإسم يونانى مما يدل على ولع الشعب عامة بالإندماج فى الحالة الهيسلينستية ، وكان أكثـــــر هؤلاء البنين خطرآ على "أنتيوخوس"هو"يهوذا المــــــــــكابى"الذى صار هو القائد الأول والمهاجم المغوار ضد"أنتيوخوس الرابع".
يهوذا المكابى Judas Maccabaeus

كانت تلال اليهودية مكانآ مثاليآ لحرب العصابات، وكانت هذه التلال هى المكان الذى كان يهرب إليه أتباع يهوذا المكابى فقد جمع حوله جماعة من مريديه الأقويـــــــاء وأتباعه وحملة السلاح وكان يؤيد هؤلاء مجموعة أخرى هى مجموعة"الحاصاديم"
הָסאד'ם وهى كلمة عبرية تعــنى "الموالين"وقد سبق ورودها فى سفر المزامير،وكانوا عبارة عن مجموعة كانت تحيط برئيس الكهنة الذى أقاله"أنطيوخوس"وصارت تـُعرَف فيما بعد بإسم الفريســـيين وقد إتحد هؤلاء معآ فى شن غارات على جنود المحتل ونجحوا بسبب التفوق التكتيكى فى وضـــــــــع ورسم الخطط الحربية التى كان يرسمها"يهوذا المكابى".  
وكان يهوذا وأتباعه يعتقدون فى أنفسهم أنهم يمارسون حربآ على غرار الحـــــــــرب التى كان يشنها "جدعون" على الأعداء من قبل  فى سفر القضاة.
وصار واضحآ لدى الملك " أنطيوخوس الرابع " أن سياسـتة تلك كانت تسير فى إتجاه خاطىء
*30  وكان يجهز نفسه للحرب التى تورط فيها ضد"باريثــيان"Parthians و"ليســــــياس" Lysias الوصى على العرش ،لذلك أرسل ليهوذا ليرسل سفيرآ عنه للتفاوض معه فى سبيــــل الوصول للسلام مما يؤمن ظهره أثناء غيابه وحتى يتفرغ لهموم المناطق الشــــــــــــرقية التى سيحارب لأجلها ، وفى النهاية توصل لصيغة للسلام تسمح لليهود بممارسة شعائرهـــــــم وفق نظامهم الخاص فـى الهيكل لعبادة إله إسرائيل حوالى عام 165 أو 164 ق.م بموجب مرســـوم ملكى ، ولكن "يهوذا المكابى" إنتهز فرصة غياب"أنطيوخوس"وقام بتطهير الهيكل مــــــــن تمثال"زيوس" وقام بتخليد تلك الذكرى بإقامة "عيد التجديد"( هانوكه הָאָונכִּה) الذى ظـــــل الإحتفال به حتى أيام المــــسيح راجع يوحنا 10 : 22 
22وَكَانَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. 23وَكَانَ يَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي الْهَيْــــــــــــــكَلِ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ، 24فَاحْتَاطَ بِهِ الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَســـــــِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْرًا».
ومكابيين الأول الأصحاح الرابع كله يحكى قصة ما حدث فى ذلك الوقت .
ولكن ذلك السلام الذى تم إتفاق"يهوذا"مع"أنطيوخوس"عليه لم يكن هو كل ما كـان يريده *31 اليهود ولكنهم إعتبروه سلامآ مرحليآ فيما يمكن تســميته سلامآ توافقيآ fait accompli أوStatus quoأى يتفق مع ما تطلبه الدوله وما يطلبه اليهود بإسلوب الموائمات السياسية .
ولقد حرك إنتصار يهوذا وتنفيذه لكل ما كان يرغبه اليونانيين الســــــــلوقيين واليهود الذين إنخدعوا بالفكر الأصنامى فأغاظهم هذا النصر لفكر يهوذا فقاموا بالضغط على جيـــــــرانهم من اليهود فى كل مدينة وقرية كانت تجمع بين الفريقين ، فعم الإضطهاد وتزايدات المضــــــــايقات لليهود فرفع يهوذا شعار كتبه فى مكابيين الأول 5 : 32 "قاتلوا اليوم من أجل إخوتكم" .
وبمساندة شقيقه يوناثان أرسل لعقاب أولئك الخارجين على الشريعة من يهود ويونانـــــيين فى منطقة عبر الأردن أى شرق نهر الأردن ، كما أرسل سمعان لتأديب هؤلاء من سكان الجليل .
كان اليهود يطلبون حرية دينية وحرية سياسية أى إستقلال وحكم ذاتى ، ولذلك إستمر " يهوذا المكابى " منتهزآ فرص إنشغال " أنطيوخوس" فى حروبه وهاجم " قلعة عكرا" الــــسريانية
Citadel of Akra ( راجع الرسم التخطيطى لأورشليم ص 24 ) وكانت مقرآ للحــــــــــامية العسكرية لجنود الملك ، كما أرسل فرقآ عســكرية للجليل وعبر الأردن وقام بجمع شتات اليهود المبعثرين حول اليهودية بعيدآ عن المناطـق التى يمكنه تأمينها وأسكنهم داخل المناطق الآمنة .
والواقع أن وفاة "أنطيوخوس الرابع" حوالى عام164 أو 163 ق.م أعقبتها حربآ أهلــــية
 إذ تولى العرش"أنطيوخوس الخامس"Antioch V ولكن تم قتله عام 162 ق.م تقريـــبآ أثناء عودتـــــه من سوريا مع إبن عمه "ديميتريوس الأول DemetriusI "الملقب ب سوتير Soter وهو الإبن الأصغر ل "سلوقس الرابع" Seleucus IV والوريث الشرعى للملك الذى قام بتعيين رئيــس كهنة للهيكل فى أوروشليم،وقيل لقاء مبلغ من المال أى باع له ذلك المنصب ،  وكان إسمــــــه "ألكيموس" Alcimus ، وهو سريانى من أصل يهودى يرتبط بنســـــــــل هارون الكاهن " يصلح لرئاسة الكهنوت" وكان يؤيده الحاصاديم بسبب هذا النسب ، بيــــد أن يهوذا لم يكن يستسيغ تدخل الملك فى هذا الأمر،وبعد عدة معارك ضد المكابيين حيث هــــــــزم يهوذا السريان أى"السلوقييــن" فى معركة "أداسا" Adasa ، وكان إسلوب يهوذا فى حربه هى أن يستدرج السلوقييـن حتى يدفعهم لأماكن مهجورة ضيقة ، ثم يشن عليهم حرب عصابات يكون هو فيها الفائز بإمتـــــياز، وبعد عدة معارك قامت معركة "إيلاسا" Elasa حيث تشرزم الجيش اليهودى وتمت هزيمـــته وتمكن" نيكانور" Nicanur من قتل"يهوذا المكـــــــــابى" حوالى عام 160 أو161 ق.م وتـــولى مكانه شقيقه "يوناثان" وأما توثيق الواقعة التى توفى فيها فهو توثيق غير مؤكد .

يوناثانJonathan Maccabaeus

لم يستند يوناثان على القوة العسكرية  بل كان يعتمد على حرب العصابات فى التلال وإتـــــــباع  الأساليب الديبلوماسية وفى أيامه توفى ديميتريوس حوالى عام 150 ق.م ليتولى مـِـــــــن بعده "أنطيوخـــــــــوس السادس"
Antiochus VI (إبيفانيــــــــــس ديونيسيوس) Epiphanes Dionysus من حوالى 150 – 145 ق.م تقريبآ وكان طفلآ تحت وصاية جده "ألكســــــــاندربالاس"Alexander Balas وكان ديوتوس تريفونDiodotus (Tryphon)  هو الذى نادى بألكساندر  ملكآ حوالى عام 143 ق.م تقريبآ وتم تتويجه حوالى عام 142 ق.م تقريبآ ثم توفى بالقتل عام 138 ق.م تقريبآ وكان"ألكــــــــساندر بـــالاس"يحتاج لدعم يوناثان فقد صار "يوناثان"هو الحاكم الفعلى للبلاد والقائد الحقيقى للميليشــــــيات اليهودية المكابية التى ورثها ورئيسآ للكهنة إعترف به"أليكساندر بالاس"ودعمه وأيد رئاسته للكهنوت بل هو الذى مــنحها ليوناثان حوالى عام 152 ق.م وكان يرجو من خلال محاولاته تلك للتقرب من يوناثـــــــــان أن يحصل على دعمه فى حروبه ، فقد كان ضعيفآ وكانت هناك صراعات بين السلوقيين بعضـــهـم ببعض وبينهم وبين البطالمة فى مصر وبينهم وبين مختلف مناطق الجوار ، وكانت طلائــــــــع الرومان بدأت تنشط وتعمل فى المنطقة ، وبالفعل كان"يوناثان"يدعم " أليكساندر" فى حروبه  حتى إندس أحد العملاء السلوقيين بين المحاربين معه وقتل "يوناثان" عام 143 ق. م وصار أخيه سمعان خلفآ له .
وبهذه الرتبة المزورة التى حصل عليها يوناثان بدأ الصراع الحشمونى يتخذ منحى آخر ، فقـــد كان الحاصاديم يرون أن الطموح فى تبوء السلطة لدرجة قبول منصب رئاسة الكهنوت علـــــى هذا النحو الغير الشرعى .32*
ومن الجانب الآخر كان الصدوقيون الذين يعبرون عن فئة اللاويين المتاح لهم شرعيــــآ أن يكون رئيس الكهنة مختارآ من بينهم ، أثناء إهتمامهم بهذه القضية كانوا يبنون أحلامهم علــى إمكانية بروز واحد منهم ليقوم بتطهير العبادة وتصحيح هذه الأوضاع الغريبة ، ولكن فى نفس الوقت وعلى جانب مناقض لحفظ الناموس والشريعة والعرف كان واحد منهم  يقبل القيــــــــام بوظيفة رئيس للكهنة فى هيكل يقوم ببنائه فى مصر فى "ليونتوﭙول "، وهذا الموقـــــــف كان بالطبع موضع إستهجان للحاصاديم(وهذه المعلومة عرفناها من مخطوطات البحر الميت) .
سمعانSimon Maccabaeus

بعد تولى "سمعان" القيادة عوضآ عن شقيقه تنازلت السلطة الشرعية عن ضـــــــــرائب كانت مفروضة على اليهود وإعتبروا هذا نصرآ سياسيآ لسمعان ، إلى جانب تصعيده للمقاومــة حتى يزيد السلوقيين ضعفآ فهاجم "قلعة جازر" و"قلعة أورشليم" وكان "ديمتريوس الثانى" وهو الحاكم السلوقى منصرفآ لمحاربة الپارثينيين لذلك لم يتمكن من إتخاذ ردآ مناسبآ على هــــــــذا الهجوم ، ومارس سمعان عليه الضغط النفسى من خلال نشاطه الفعال فى داخل الدولة مـــــــما جعله يتوصل لعقد إتفاق مع "ديميتريوس الثانى" لصيغة إتفاق فيها يتنازل الملك الســـــــلوقى ديميتريوس عن حكم اليهودية تمامآ ونهائيآ ، وقد عبر سفر المكابيين عن ذلك فى مكابيـــــــين الأول13: 41 "وفى السنة المئة والسبعين خلع نير الأمم"
وتم طرد الأمم من"قلعة عكرا"وبدأت اليهودية تتعاظم وتزيد ثروتها بين جيرانها، وبدأ الرخاء يعم على البلاد  فى أيام "سمعان" رئيس الكهنة والملك وقائد الجيش .
فعقد اليهود فى سبتمبر حوالى عام 140 ق.م لتكريم "سمعان" على ما قدمـــــه لأمته من أمن وسلامة وسعى لنوال الحرية الدينية والسياسية ، وكان هذا التكريم له بمثابة إعتراف بفــــضله هو وإخوته من قبله، وفرضوا عليه قبول المـُـلك عليهم وقيادة الجيش ورئاسة الكهنوت لتكون الثلاثة مناصب كلها له ولنسله من بعده أى يتم توريثها .
ولكن سمعان أغتيل حوالى عام 134 ق.م بواسطة نسيبه "بطليموس بن أبوبوس"
Ptolemy son of Abubus  وكان يطمح فى تولى مناصب"سمعان"بمجرد إدعائه أنه كان بالنــــــسبة *31  لسمعان فى مكانة الإبن من أبيه ، ولكن ظهر "يوحنا هيركانوس" إبن"سمعان" الــــذى أطاح به وتولى الملك من بعد أبيه  .

يوحنا هيركانوس الأول John Hyrcanus I

حاول الملك السلوقى"أنطيوخـيوس السابع" إستعادة سلطته على اليهودية أيام "سمعان" ولم ينجح فى هذا السبيل ، ولكنه نجح فى إستمالة "يوحنا هيركانوس" له فى العام الأول لتولـــــيه السلطة عوضآ عن أبيه سمعان ، ولكن"أنطيوخوس السابع" قـُـتـِـل فى معركته مع البارثيـنيين عام 128 ق. م وبذلك لم يعد للسلوقيين أى علاقة فاعلة مع اليهودية،تلك المنطقة التى صارت فى مهب الريح تنتظر الأحداث التالية ، بل وسارت" المملكة السلوقية "فــــى طريقها المحتوم  للإنحلال والتفكك .
وفى العام السابع لتولى" يوحنا هيركانوس "مسئولية الحكم فى اليهودية بدأ فى تدشين سطوة "عائلة الحشــــــــمونيين" على كرسى حكم اليهودية بعد حوالى 40 سنة من تمكنهم من إلغاء المرسوم الذى أصدره "أنطيوخوس الرابع" بالعبادة لزيوس داخل الهيكل ، حيث تمكن" يهوذا المكابى" من إزالته وتطهير المقدس ، والحصول على ما يشبه الإستقلال الذاتى ، حيث تــنامت الحركات المسلحة
 كحركة " الحاصاديم " وحركة " المكابيين " فكان عدد الشباب المتــحمس يتزايد حتى حلت فترة "سمعان" التى ساد فيها الإستقرار*33.
وخلال تلك الفترة كانت هذه الصراعات سببآ فى زيادة شهرة وسمعة قوة هؤلاء اليـــــــهود تنتشر فى المنطقة المحيطة بهم ، وهكذا فقد زاد طموحهم فى تعويض ما فقـدوه أثناء فترة حكم "أنطيوخوس الرابع" وخلفائه خصوصآ بداية من عصر "هيركانوس" حيث ظهر هذا الطموح واضحآ لدى أبناء هذا الجيل الجديد من المكابيين ( الحشمونيين) والحاصاديم.
ولكن بدأت بذور الخلاف بين الفريقين ( الحاصاديم – المكابيين) عندما شعر"هيركانوس " أن "الحاصاديم" يعترضون على تبوئه وظيفة رئيس للكهنة بدعوى عدم إنتماء أسرته للفـــــــرع الهارونى من بنى لاوى حسب الأعراف السارية ، وبذلك شعر بأنهم يجرحون بإعتراضهم هــذا مشاعره ، فأهملهم  ، ومنذ ذلك الوقت بدأ تحول هؤلاء "الحاصاديم" إلى تكوين مجتمعٍ منغلقٍ داخل البيت اليهودى أطلق عليه الناس إسم
פרשים "الفريسيين " وهى تعنى " المـنعزلين أو المـُفرَزين" كنتيجة لإنسحابهم من تلك الرابطة التى كانت بينهم وبين الحشــمونيين وظل هناك إلتباس بين تلك التسمية وتسميتهم السابقة "الحاصاديم" فترة 50 سنة بعد ذلك التاريــخ الذى تولى فيه "هيركانوس" زمام وظيفة رئاسة الكهنوت .
ولكن على المستوى العسكرى والسياسى فقد كان له بـُـعد نظر فى عمل علاقة مع الرومان تلك القوة الصاعدة ، والطامعة فى نفس الوقت فى المنطقة إلا أن بـُعد النظر هذا كان يحتاج لنظــرة مستقبلية أكثر عمقآ من الفترة التى كان يحكم فيها "هيركانوس"، فقد إستفاد هيركانوس مــن تلك العلاقة عندما إستغل إستمرار حالة الضعف لدى السلوقيين،وإنشغالهم بحروبهم وخلافاتهم الداخلية لكى يزيد من قوته فدبر حملته على السامرة حيث حاصرها لمدة عام  إنتهى بتدمـيرها وإحتلال "شكيم" حيث هرب السامريون لهيكل "جبل جرزيم" فقام بتدمـــيره تمامآ ، فإستغاث السامريون بالسلوقيين ، لكن الرومان هددوا الملك السلوقى حتى لا يتدخل ، وبذلك شـــــــــرع السلوقيون بتأسيس تاريخى بإيجاد علاقة مع هذا المستعمر الرومانى الوافد .
كما شن حربآ على الأدوميين فى الجنوب وهزمهم،وأجبرهم على قبول فريضة الختان والعادات اليهودية ، كما أغار على المدن والقرى التى يسكن فيها يونانيين من أتباع الحكام السلوقــــيين سواء عبر الأردن أو فى الجليل ومات فى عام 104 ق. م وتولى إبنه أرسطوبولوس الأول هذا العمل .

أرسطوبولوس الأول Aristobulus I :

كان الحلم اليهودى على أشده عندما تولى"أرسطوبولوس" زمام الحكم حلم العــودة للزمان الذى كانت الأمة لها دولة قوية سياسيآ وعسكريآ وسياسيآ كعصر المملكة فى عهد "سليمان" الملك وقد أكمل عمل والده بالنسبة للجليليين ، بإجبارهم على قبول ممارسة الخـــتان والعادات اليهودية كما فعل والده بالأدوميين ، وبحسب ما سجله "يوسيفوس" فإن "أرسطوبولــــوس" كان يفضل لقب "ملك" بدلآ من الألقاب التى كانت تشير من طرف خفى للعرق مثل لقب "ملــك اليهود" فكان ملكآ للدولة وحاكمآ للأمة ، وكان يأمل أن يرفــــع من قدر مكانة اليهود بين الأمم المحيطة بها بالرغم من أن العملة التى كانت متداولة  كان مكتوبآ عليها"رئيس كهنة يهوذا" .
ولم يبقَ "أرسطوبولوس" فى الحكم كثيرآ ولكنه مات بعد إنقضاء عام واحد على توليه زمـــام الحكم حوالى عام 103 ق. م تقريبآ ،  بسبب إصابته بالـــــــسل الرئوى وتولى من بعده وريـث العرش التالى له وهو شقيقه "أليكساندر ينايوس".

أليكساندر ينايوس Alexander Jannaeus

"أليكساندر ينايوس
"Alexander Jannaeus 103– 76 ق. م ورث العرش وتـــــــــزوج أرملة أخيه المـُـتـَـوفـَى وهى "سالومى أليكساندرا Salome Alexandra"وقد كان لـــــــــها دورها فى توجيه مستقبل سياسته كما نعرف،ولم تكن وظيفة رئيس الكهنة ملائمة له، فـلم*34 يكن جادآ فى توليها .
لقد كان يذهب (فقط) إلى مكتبه المقدس الخاص برئيس الكهنة فى أيام الأعياد والمناســــــــبات لمجرد رغبته فى عدم جرح مشاعر الأتقياء والحفاظ على ولائهم ولا سيما الفريسيين منــــهم ، وكان طموحه ينصرف لشن المعارك الحربية بأمل التمكن من ضم كافة المدن والقــــــــرى التى كانت تقع تحت سلطان مملكة إسرائيل فى عهود الملوك العظام بقصد إستعادتها ، حــــتى إنتهى حكمه وكان قد إستعاد كل الأقاليم التى كانت تضمها المملكة القديمة فى أوج قوتها ، وكان يـرى أن تلك الحدود القديمة تعبر عن ميراث هذا الشعب الروحى .
ومن بين تلك المناطق التى إهتم بضمها تلك المدن اليونانية التى كانت عبارة عن المــــــــــــدن الساحلية الموجودة على البحر الكبير (المتوسط) فإستعادها واحدة تلو الأخرى كما إســــــــتعاد المدن التى كانت موجودة عبر الأردن فى الجهة الشرقية منه .
ومما يذ كر عنه أنه لم يكن مهتمآ بالثقافة اليونانية وخاصة فنونها رغم أنه كان يقــــــدم نفـسه كبديل عن الملوك الهيلينستيين ، بالرغم من كونه خشن الطبع وليس رقيقآ فى حياته الـــخاصة كما كان الأمر بالنسبة لهؤلاء الملوك.
ولقد ثار الأنباط ضده حوالى عام 94 ق. م تقريبآ ،  وكانت بلادهـــم عبر نهر الأردن من الجهة الشرقية ، تلك البلاد التى حارب من قبل فى سبيل ضمها لمملكته ونجح فى ذلك ، ولكن الأنــباط ظنوا أنهم إذا إستعانوا بالملك السلوقى " ديميتريوس الثالث" فسوف يبادر لنصرتهم ، كــــــما كانوا يأملون أن تكون ثورتهم هذه سببآ فى تقوية الجماعات اليهودية التى تكرهه ، ولكنه شـن عليهم حربآ وإنتصر فيها ، ثم مارس الأعمال البربرية والهمجية ضدهم وكذلك ضد اليــــــــهود المناصرين لهم وكان منهم فريسيين .
وأوصى"ينايوس"لأرملته "سالومى أليكساندرا" بالحكم بعده ، ولرئاسة الكهنوت لإبنها الأكبر " هيركانوس الثانى" .
الملكة سالومى أليكساندراSalome Alexandra

عززت "سالومى أليكساندرا" علاقتها مع الفريسيين الذين كانوا من قبل أعداء للحشــــمونيين وقامت بتعديل الكثير من مسارات سياسة الدولة ، وإستخدمت الكثيرين منهم كمـــــــشيرين لها طوال مدة حكمها التى لم تمتد إلا لتسعة سنوات ، وكان موتها عام 67 ق . م متبوعـــآ بحروب أهلية طاحنة بين إبنيها اللذان ورثا هذه التركة المحملة بالمتاعب ف"هيركانوس الثانى" كــان ميالآ لأصدقائه من الأدوميين خاصة عائلة" أنتيپاتر" الذى كان والده حاكمآ لأدوميه ، وأمــــــا " أرسطوبولوس الثانى" فقد كان ميالآ للتمسك بالقيم التى ورثها عن الحشمونيين ، وإستعرت الحرب بين الشقيقين ويبدو أن معونة " أنتيپاتر" الأدومى كانت فعالة فى معاونة "هيركانوس الثانى" ، ثم حسمت تلك الحرب روما عام 63 ق. م بنهاية عصر الحشمونيين وصعود نجـــــم " أنتيپاتر" الأدومى الذى تناسلت منه عائلة "هيرودوس" التى ناسبت عائلة الحشـــــمونييـن فصارت والدة "هيرودس"مـــنهم وحكمت تلك الأسرة اليهودية والمنطقة المحيطة التى صارت تحت الحكم الرومانى حتى خراب أورشليم حوالى عام 70 م بواسطة الإمبراطور الرومــــــانـى "تيطس" .
 
تقييم مكانة المكابيين ودورهم التاريخى
عندما رسم الوحى فى كتاب دانيال 11 : 34 صورة لحالة الأمة فى هذه الفترة التالية والتـــــى تحققت على يد المكابيين تحدث عن المكابيين وجهادهم وحروبهم ضد من نجس الهيكــــــــــــل بثورتهم العظيمة تحدث عن ذلك كله بوصفه "عونآ قليلآ" حيث يقول : " 
34فَإِذَا عَثَــــــــــرُوا يُعَانُونَ عَوْنًا قَلِيلاً، وَيَتَّصِلُ بِهِمْ كَثِيرُونَ بِالتَّمَلُّقَاتِ. "وكان يصفهم بهذا الوصف ليحـــدد دورهم فى تحقيق أهداف الله العظمى لشعبه . فالعديد من" الحصاديم" كانوا ينــــتظرون تدخلآ مباشرآ بواسطة الله ولكن العمل العسكرى الإيجابى الذى قام به المكابيون وجه هذا التوجه لديهم لإتجاه آخر ، فقد تمكن المكابيون بثورتهم تلك من إلغاء ما قرره أنطيوخوس الرابع بتغيير ثقـــــــــافة وديانة اليهود وفق هواه ، وقد تمكن المكابيون من تطهير الهيكل وإلغاء هذا القرار حوالى عام 165 ق . م تقريبآ ، وبعد ذلك بدأ نجم "الحصاديم" و"المكابيين" فى السطوع واللمعان .

ولكن كان لحصول "يوناثان" على منصب رئيس للكهنة وهو ينتسب فى الأصل لــفرع غير هارونى رغم أنه من اللاويين ومن أسرة كهنة ، وهذا كان فى رأى"الحصاديم" مخالفآ للشرع والأعراف المتبعة ، بل إعتبروا قبوله لهذا المنصب بمثابة سرقة لمنصب لا يحل له أن يتبوئه ، ومن هنا بدأ الشقاق والخلاف بين الفريقين ، وزاد الأمر سوءآ عندما ورث "سمعان" رئاســـة الكهنوت عن شقيقه وإعتقد الحشمونيين أنهم قد أرسوا مبدأ أن الملك يكون هو رئيسآ للكهنة ، وكان "الحصاديم" ( الفريسيين فيما بعد) من بين ضحايا "ألكساندر ينايوس "أثـــــــناء حربه لإخماد ثورة "الأنباط" شرق الأردن ومارس فى تلك الحرب بعد إنتصاره أبشع همجية عليهم .
وكان من الواضح أن الحلم اليهودى بإعادة المملكة لسابق مجدها وإتساعها فى عـــهد الملوك العظام "داود" و"سليمان" كان هذا الحلم هو الخلفية الفكرية الحقيقية التى كانت تدفع هؤلاء لإتخاذ مواقفهم المختلفة تجاه معارضيهم وحكامهم ، بل إنهم كانوا مصــــممين على تهويد كل المناطق المحيطة بهم.
لقد صاغ المكابيون للأمة الفكر المسيانى صياغة جديدة ، ظلت مسيـــــــطرة على أذهان اليهود حتى عصر تجسد الرب يسوع ، وبسبب هذا الفكر كان هناك بعضآ من إساءة الفــــــــهم لرسالة المسيح بوصفه المسيا و كان ذلك مرجعه للصورة التى إستقرت فى أذهان الفريسيين والقادة ، بل والشعب عن المسيا .
ومن الأقوال الشائعة الخاطئة أن المكابيين قاوموا الرومان ، والواقع أن الرومــــــان لم يكونوا حكامآ لهم ولا محاربين لهم أثناء فترة وجودهم وإنما كان الحكام من السلوقيين اليونانيـــــين ، وبالرغم من وقوع هذه الأمة بعد عصر المكابيين تحت الإستعمار الرومانى بعد عام 63 ق. م إلا أن تاريخ المكابيين أعطى للأمة أملآ فى قدرة اليهود على إزاحة المستعمر وإعادة أمجـــــاد مملكة داود ، ولم يستيقظ هؤلاء من هذا الحلم إلا على يد "تيطس"الرومانى عندما قام بحصار أورشليم سنتين أعقبها الخراب عام 70 ميلادية .
ويشير مانسون " 
T.W.Manson" لأسماء شخصيات ذات أصول مكابية من الحشمونيـين كان لهم دورآ فى مقاومة الرومان وتهييج الرأى العام ضد الرومان أثناء الفترة التاريخية التى أعقبت ميلاد الرب يسوع ، وهؤلاء كانوا دائمآ يتحالفون مع "الغيورين" فى تحركـــــاتهم ضد الرومان ، ولقد أراد هؤلاء "الغيورون" إستغلال وفادة الرب يسوع لأورشليم ليــنادوا به ملكآ ليقودهم ضد روما على غرار ما فعله "يهوذا المكابى" ضد "أنطيوخوس الرابع" السلوقى .  
------------John Bright, A History of Israel,1960. *25
J.B.Prichard,ANET2,1955. *26
Jos., Contra Ap.1.194**27
*28 D.Winton Thomas,DOTT,1958.
H.L.Ellison, N.E.B, his article" Judah",pp666-670.1976. *29
W.R.Framer,Maccabees,Zealots andJosephus,1956. *30
*31 E.Bickerman,The Macabees,1947.
JTS(NS),III,1952,pp.62ff. *32  
A.F.Walls,N.B.D,his article "Maccabees",pp762ff. *33
Jos.,Ant,XII-XIV. *34

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق