الأحد، 31 يناير 2016

عصر الإحتلال الرومانى لمنطقة الشرق الأوسط من عهد پومپى حوالى عام 64 ق. م تقريبآ حتى عهد ﭬيسپاسيان حوالى عام 70 ميلادية

عصر الإحتلال الرومانى لمنطقة الشرق الأوسط
من عهد پومپى حوالى عام 64 ق. م تقريبآ
حتى عهد ﭬيسپاسيان حوالى عام 70  ميلادية

صورة تذكارية بالنحت الجدارى على قوس نصر تيطس الذى شيده الإمبراطور دوميتيان عام 85 م  لتخليد ذكرى إنتصار الإمبراطور تيطس والجيش الرومانى على تمرد اليهود فى أورشليم نهائيآ عام 73 م  ، ويظهر فى الصورةالغنائم ومنها مذبح البخور والمنارة الذهبية وبعض أبواق الهتاف
أولآ : - الظروف السياسية التى أدت بظهور الرومان فى واجهة الحكم بدلآ من اليونانيين 

لم تكن الدولة الرومانية منذ نشأتها على يد الإسكندر الأكبر المقدونى لها فلسفة إعلاء الجـــــنس اليونانى على غيره من الأجناس ، بل كانت فلسفتها تقضى بتكوين دولة عالمية تشمل كل العـــالم (القديم حاليآ قبل ظهور الأمريكتين وأستراليا) ولذلك كان كل مواطنى الدولة يتمتــــــــعون بأدوار فاعلة فى السياسة على الأقل على مستوى خدمتهم المحلية لمجتمعاتهم ، بل كان هناك ضـــــــمن النخبة الحاكمة من ينتسب لبعض تلك المستعمرات ، وكان للرومــان نصيبآ وافرآ فى هذا الشأن ، ولقد أسهمت الظروف السياسية والإجتماعية للمستعمرات بوجوب إلتفات النخبة الحاكمــة وعلى رأسها الإمبراطور لضرورة التغيير فى السياسة حتى يتمكنوا من تلاشـــــى الجوانب السلبية التى نشأت فى ظل التآخى الثقافى الذى تهدف إليه الحضارة الهيلينستية .
فالذى يقرأ كتب المكابيين وما تواتر من تاريخ مكتوب بواسطة اليهود مثل "يوسيفوس" علــــى سبيل المثال يحصل على صورة غير حقيقية تمامآ لفترة حكم المكابيين فى ظل الثقافة الهيلينستية التى بدأ فى تشييدها " الإسكندر الأكبر " المقدونى .
فالحكم الرومانى كان طوال هذه الفترة يعتمد على سياسة متسامحة جدآ مع ثقافة الشـــــــــــعوب الواقعة تحت الإستعمار ، حتى إدخال تمثال زيوس للهيكل ، لم يكن القصد منه إثارة حفيـــــــــظة اليهود ، فقد كانت هذه الفكرة لم يتصورها ذلك المستعمر لأنه إعتاد هذا اللون من التوائـــــُـُم بين مختلف الآلهة الوثنية ، ففى الوقت الذى قبل فيه المصريون التوئمة بين آمون آلهتهم وبيـــــــــن زيوس"الآلهة اليونانية" بحيث إدعى الإسكندر نفسه أنه إبنآ لآمون كما أنه إبنآ لزيوس فى نفس الوقت وأن الآلهين هما وجهين لإله واحد كوجهى العملة ، لم يقبل اليهود بذلك،ولم يكن سلوقس الذى ورث عرش الإسكندر فى منطقة سوريا كما ورث بطليموس مصر فى نفس الوقت على علم بردة الفعل هذه ، فلم يكن حظه مثل حظ بطليموس وكانت قلة معرفته بثقافة الأمة اليــــهودية هـو السر من وراء تلك النكبة التى حلت به ، لأن توئمة الآلهة اليونانيــة التى كانت مقبولة فى مصــر كانت مرفوضة إلى هذا الحد من الشدة لدى اليهود .
وكانت عسكرة الصراع على يد المكابيين هى التى جعلت الصورة على هذا النحو الذى أظهر فــى التاريخ مدى التنافر بين الطرفين على أشده، ولو كانت هناك قنوات سياسية ، لأدرك السلوقيــون ذلك الفارق الأيدولوﭽـى الموجود فى أذهان اليهود مـن دون سائر الأمم وما كان الصراع المكابى قد حدث بالمرة .
فقد كان الحكم الرومانى منذ عصر إجتياح الإسكندر الأكبر لمستعمرات المملكة الفارسية مبـــــنيآ على التسامح الدينى والثقافى بصفة عامة ، ولم يأخذ شكل الإستعمار العنيف حتى أيام أوغسطس قيصر وكانت أحوال الأمم الواقعة تحت الإحتلال هى التى أدت لتغير وجه المعاملة بين رومـــــــــا عاصمة الإمبراطورية ومستعمراتها بداية من عصر أوغسطس قيصر .
ولقد كانت اليهودية تـُحكـَمُ بالفعل مستقلة عن الحكم السلوقى فى عصر حكم"هيركانوس الثانى" و"أرسطوبولوس الثانى"أى من حوالى عام 67 – 40 ق. م قبل تنامى قوة الرومان وتضائل قوة اليونانيين السلوقيين والبطالمة وتأسيــس"بومبى"لروما عام 63 ق. م حيث حسمت روما أمـــر الحكم فى اليهودية بإختيار ومساندة عائلة"أنتيـﭘاترالأدومى"فقد كانت هناك صـــــــداقة بين تلك العائلة و"هيركانوس الثانى المكابى"وكانا متحالفـَـين فى الإستعانة بقوة روما المتناميــــة على حساب السلوقيين والبطالمة وكانت الشخصية الأقوى فى مساندة روما هى شخصية أنتيـﭘاترالأدومى بينما كان المكابى غير مأمون فى نوايـــاه فصار حكم اليهودية فى يــــــــد أسرة أنتيـﭘاترالأدومى الذى تولى منهم هيرودس الكبير زمام الحكم بواسطة روما عام 40 ق. م .
وإتخذت روما سياسة جديدة تختلف عن سياسة الحكم السلوقى حيث بدأ حكمها يهتم بالأســـــاس بحكم الدولة المتكامل الأركان غير المبنى على مجرد التآخى فى الثقافات .
فكانت كل المقاطعات الرومانية يَنْعَمَ فيها الأفراد من السكان بخصوصيتهم فى تطبيق الحقوق الشرعية التى تبيحها دياناتهم ونظامهم القانونى والشرعى الأساسى قبل الإحــــــــتلال ولكن تظل هناك عدة روابط تعمل كنسيج متكامل من المعاهدت أو الإتفاقيات
*35
فكانوا يمارسون تقاليدهم الخاصة التى لا تجعلهم يفقدون هويتهم وإنتمائهم لأمتهم ، بل كانت روما تسعى لتقوية وحث المواطنين ، فى المستعمرات 36* ، لنبذ كل الأفكار الإنهزامية أو الرجعية الإســتبدادية التى كانوا يعانون منها وتعودوها قبيل الإحتلال ، تجاه سلطاتهم المحلية التى كانت تحــــكمهم وتستعبدهم ، فأعلت من شأن الحرية الفردية فى إتخاذ القرار ، وكذلك شجعت المـــشاركة والتشارك الفعال بين الأفراد لخدمة مجتمعاتهم،ولذلك كانوا يختارون القادة لهؤلاء من بـين الذين يضربون أعظم المثل فى هذا الإتجاه حتى يكونوا مثلآ أعلى وقدوة صالحة لمواطنيهم.
ومع تقادم عهد الإمبراطورية الرومانية ظل هذا النموذج من التوائم والتآخى مع المجتمعات المحلية داخل المستعمرات يتحول تدريجيآ إلى شكل ونمط جديد أكثر عمقآ ككيان إمـــبراطورى ، والذى ساعد على تعميقه هو سعى روما لتعميق لون من ألوان التبعية الكهنوتية للإمـــــــبراطور *37، وهو نوع من الفكر الكهنوتى فيه يتم فرض الإلتزام والإحترام الصارم ليس علـى مـــستوى أفراد الشعب والجنود فقط ولكن فيما يخص الحدود كذلك، حتى يتم  تقليل فرص إندلاع الحـــروب بسببها ، فقد قامت بصياغة نظام يفرض الولاء على الدول المجاورة لحقوق روما فى حماية حدودها،هذا الشكل الكهنوتى نشأ بسبب طبيعة نشأة الدولة الرومانية،فقد كانت رومـا قـد إكتسبت الريادة على سائر المدن اللاتينية، بل وعلى دول أخرى مجاورة بالرغـــم من أن هناك بلادآ كانـت تعانى من التصادم بشأن الحدود مثل الحال الذى كانت عليه الصراعات بين"الغالـــــــــية المشتتة  " Gallic  sporadic"(الغال هم قبائل كانت تسكن أوربا وكانوا أســـلافآ للفرنســــــــــيين)،وبين "غزوات القبائل الجرمانية German invasions " ولم تكن هذه الصراعات تحـــــــدث بين دول الجوار فقــــط ، ولكـن كانت تحدث كذلك فى البلاد التى تقع عبر البحار والتابعة لرومــــــــــا مثل "القرطاجــــــــــــيين  Carthaginians" أى سكان قرطاجنة على السواحل الشمال أفريقــية مع "المقاطعات الهيلنستية " Hellenistic monarchs الموجودة فى المنطقة وكل هذه البلاد تمكنت من بناء وسيلة مناســبة للتعامل مع سائر المقاطعات الإيطالية فى الوادى الرومانى القديم وظلت هذه البلاد تقــــــــدم ولاء مواطنتها للدولة الرومانية بشكل علــنى حتى عام 89 ق. م ، وبمــعنى آخر فإنه قد كانت هناك تطورات فكرية تحدث بين الشعوب فى حوض البحر الأبيض المتوسط .
وبنهاية أول حرب فى"بونيه  Punic" صارت صقلية مقاطعة رومانية عام 241 ق. م ، وكــــان خطر القرطاجيين يتقدم بخطوات أكثر فى"سردينيا Sardinia"و"كورسيكا Corsica"عام 231 ق. م ثـم توالى المزيد من هذا الخطر فى"أسبانيا"197 ق. م وبعدما فرغ صبر الرومــــان قاموا بتدمير قرطاجنه عام 146 ق. م فقد تلاشت ثقة الرومان فى إمكانية الركون والإعتـــــــــماد على المقاطعة الإفريقية للتعامل بشكل مناسب مع قرطاجنة وكذلك كان الحال فى المقاطــــــــــــــــعات  الهيلنـستية الشرقية بعد فشل المفاوضات التى كانت بين"مكدونــــــــــــــــــــية  Macedonia " و"إخائيهAchaia  "فى نفس العام أى عام 146 ق. م .
 وبالرغم من شدة العنف الذى إتبعته روما فى تدمير قرطاجنه وكورنثــوس عام 146 ق. م إلا أن
النتيجة كانت إقرار النظام الرومانى فى تلك الأنحاء، بل إمتد هذا النظام ليشــــمل سائر المقاطعات أو الإمارات الأسيوية عام 133 ق. م مثل "بيثينية Bithynia " والأفريقية كالقـــــيروان Cyrene عام 74 ق . م ، وهكذا إنشغل الرومان بترتيب الأوضاع وفق نظامهم الجديد الذى دفعـــــتهم إليه الرغبة فى مواجهة الأخطار والتهديدات الموجهة للمجتمع مثل تفشى "القرصـــــــــنة" piracy  وبذلــك تم إنشاء الإمارة "الناربونسية الفرنسية Narbonse Gaul" و"الليريكوم Illyricum"  و"كيليكيا Cilicia  " .
ولكن هذه السماحة فى التعامل مع مواطنى المستعمرات بدأت تأخذ شكلآ جديدآ فإبــــتدأت رومــا تمارس الإنتهازية التى لعبت دورآ بارزآ فى سياستها منذ ذلك الحين عندما أضـاف "بومــــــــبى Pompey " "بنطـس  Pontus " و"بيثينية Bithynia " كما أنشأ مقاطعة "سوريــــا Syria " بفضل "قيادة ميثريدتــــس Mithridatic command "  عام 66 ق. م وبعد ذلك فتح بلاد الغـال أى فرنسا وسمح بذلك للرومان من الوصول لوادى نهر الراين Rhine فصارت شمالآ تصل إلـــى جبال الألب Alps وبحر الشــــــمال وكانت آخر مقاطعةهيلينستية إستولى عليها النظام الرومــانى الجديد هى مصر عندمــــــــا هزم "أوغسطس Augustus ""أنطونيو Antony "و"كليوباتــــرا Cleopatra "عام 31 ق. م ومنذ ذلك الوقـت بدأ"أوغـسطس" فى التوسـع تجاه نهر الدانـــــوب Danube  كما أسس مقاطعة"رايتيا Raiatea " و"نوريكام Noricum " و"بانونيه Pannonia " و"مورسيا Maursia " .
ثم تأسست أسر حاكمة محلية ونجحت بفـــضل تأييد الحكام الرومان فى بعض المناطق مـــــــثل "غلاطيه
Galatia " عام 25 ق. م ثم"كبدوكيه Cappadocia " و"اليهـــــــــودية Judaea " و"بريتان  Britain  " و"موريتانيا  Mauretania" و"ثراس Thrace "عام 46 م .
وهكذا بدأ العهد الجديد بعدما تم إستكمال كل المقاطعات الرومانية حول البحر الأبيض المتوســــط وكانت تحكمها قيادة وقوة وسلطة واحدة ، بينما كانت الحكومات التقلـيدية التى كانت تحكـــم هذه المقاطعات قد بدأت فى الإزدهار والنمو تحت ســلطة وحماية رومـا واسـتمرت الأحوال هـكذا حتى عصر"كاركيلا
Carcalla " عام 212 م لتمنح الدولة الرومانية حقوق المواطنة لكل المواطنـــين الأحرار حول مــنطقة البحر الأبيض المتوسط ، ومنذ ذلك الوقت فصاعدآ صارت تلك المقاطـــعات تمثل كيانآ لدولة إمبراطورية فعلية وفق المفهوم الحديث لكلمة "إمبراطورية" .
وصارت أسرة هيرودس هى الحاكم المعين بواسطة الدولة الرومانية لمقاطعة اليهوديـــــــة وفق نموذج تكوين الأسر الحاكمة الذى إتبعته روما بعد ذلك .
ولقد كان تَمَرُس الطبقة الأرستقراطية الرومانية فى العمل السياسى والقانون هو السبب من وراء إجتذاب ولاء المواطن العادى للسلطة الرومانية ، فقد كان عضو مجلس الشيوخ أى الذى كــــــان يُطلَقُ عليه"السينات
 
Senate  "ظاهر فى مقاطعته فهو معروف بدرايته الكاملة للقانــــــــــــــون ومراعاته للصالح العام ، وصار الناس عام 49 ق. م مجبرين أن يكونوا على إستعداد للتضــــحية بثرواتهم وحريتهم لحسم ذلك الصراع الناتج من تكرار محــــــــــاولات إحتلال إيطاليا نفسها ثلاث مـرات وفى كل مرة كان يتم إخماد المحاولة حتى جاء أوغســطس قيصر وتمكن فى بحــــــــر مدة قاربت الخــــمسة والأربعين عامآ على إحكام السيطرة على بلاد الغال وأسبانيا وسوريا ومـــــصر وظلت محكومة بقبضته الحديدية طوال مدة حياته .
ويوضح لنا العهد الجديد أن الحكام كانت عليهم ثلاث مسئوليات أساسية
 أولها هو تأمين القوات والمصالح العامة للدولة ممارستهم لــهذه المــسئولية يتحاشون الـــتدخل فى الشئون المحلية فى خوف ظاهر من أن يؤدى ذلك لفقدان ولاء هؤلاء لهم وكانوا أثـــــناء ذلك الخوف هو الذى أدى للحكم بصلب المسيح راجع يوحنا 11 : 48- 50
"إِنْ تَرَكْنَاهُ هكـــَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ،وَهُوَ قَيَافَا ،كــَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ:«أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْــسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!».
 كما تم إلقاء القبــــــض على بولس بتهمة إثارة الشَــغَب والفوضى فى أعمال 21 : 31 – 38 "وَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُــونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، نَمَا خَبَرٌ إِلَى أَمِيرِ الْكَتــِيبَةِ أَنَّ أُورُشَلِيمَ كُلَّهَا قَدِ اضْطَرَبَتْ. فَلِلْوَقْتِ أَخَذَ عَسْـــــــكَرًا وَقُوَّادَ مِئَاتٍ وَرَكَضَ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا رأَوْا الأَمِيرَ وَالْعَسْكَرَ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ."
حِينَئِذٍ اقْتَرَبَ الأَمِيرُ وَأَمْسَكَهُ،وَأَمَرَ أَنْ يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَطَفِقَ يَسْتَخْبِرُ: تُرَى مَنْ يَكُونُ؟ وَمَاذَا فَعَلَ؟ وَكَانَ الْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخـَرَ فِي الْجَمْعِ. وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْلَمَ الْيَقِينَ لِسَبَبِ الشَّغَبِ، أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. 
وَلَمَّا صَـارَ عَلَى الدَّرَجِ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَسْكَرَ حَمَلَهُ بِسَبَبِ عُنْــــــــــــفِ الْجَمْعِ،لأَنَّ جُمْهُورَ الشَّعْبِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ صَارِخِينَ: «خُذْهُ!».
 وَإِذْ قَارَبَ بُولُسُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُعَسْكَرَ قَالَ لِلأَمِيرِ:«أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَـيْئًا؟» .
فَقَالَ:«أَتَعْرِفُ الْيُونَانِيَّةَ؟ أَفَلَسْتَ أَنْتَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي صَنَعَ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ فِتْنَةً، وَأَخْرَجَ إِلَى الْبَـــرِّيَّةِ أَرْبَعَةَ الآلاَفِ الرَّجُلِ مِنَ الْقَتَلَةِ؟»...... إلى آخر ما ورد بالنص من نقــاش، والذى كان يوجـــه أمر الضبط عليه هو السلطات الرومانية فى أغلب الأحوال ولكن ليس دائمآ ، مثلآ فى مقاطعـــــــــــــة تسـالونيكى ذكر فى  أعمال 17 : 6 – 9.
"وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا، جَرُّوا يَاسُونَ وَأُنَاسًا مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ الْمَـدِينَةِ صَارِخِينَ:«إِنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ حَضَرُوا إِلَى ههُنَا أَيْضًا. وَقَدْ قَبِلَهُمْ يَاسُونُ. وَهؤُلاَءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ أَحْكَامِ قَيْصَرَ قَائِلِينَ: إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ: يَسُوعُ!» فَأَزْعَجُوا الْجَمْعَ وَحُكـَّامَ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعُوا هذَا.

 فَأَخَذُوا كَفَالَةً مِنْ يَاسُونَ وَمِنَ الْبَاقِينَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ."
 وفى أفسس يخبرنا سفر الأعمال بهذه الواقعة : أعمال 19 : 38 - 40
"فَإِنْ كَانَ دِيمِتْرِيُوسُ وَالصُّنَّاعُ الَّذِينَ مَعَهُ لَهُمْ دَعْـــوَى عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّهُ تُقَامُ أَيَّامٌ لِلْقَضَاءِ، وَيُوجَــدُ وُلاَةٌ، فَلْيُرَافِعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُـــونَ شَيْئًا مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ أُخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى فِـي مَحْفِل شَرْعِيٍّ. لأَنَّنَا فِي خَطَرٍ أَنْ نُحَاكَمَ مِنْ أَجْلِ فِتْنَةِ هذَا الْيَوْمِ.
 وَلَيْسَ عِلَّةٌ يُمْكِنُنَا مِنْ أَجْلِـــهَا أَنْ نُقَدِّمَ حِسَابًا عَنْ هذَا التَّجَمُّعِ».
وكان الجنود الرومان فى فينيقية مطالبون بتنفيذ أوامر هيرودس.أعمال 12 : 20
وَكَـــــانَ هِيرُودُسُ سَاخِطًا عَلَى الصُّورِيِّينَ وَالصَّيْدَاوِيِّينَ،فَحَضَرُوا إِلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتَعْطـــَفُوا بَلاَسْتُسَ النَّاظِرَ عَلَى مَضْجَعِ الْمَلِكِ، ثُمَّ صَارُوا يَلْتَمِسُونَ الْمُصَالَحَةَ لأَنَّ كُورَتَهُمْ تَقْتَاتُ مِنْ كُـــورَةِ الْمَلِكِ.
وفى "لسترا"حيث ظهر قوة تأثير القادة اليهود على إجراء الأحــــكام  أعمال 14 : 19
"ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَــــــــــرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، 
ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ.
 فكانت السلطات الرومانية تحجم عن التحكم فى قادة الشعب من مثيرى الإحتجاجـــــــات وتحاول القبض على من يعارضهم إرضاء لهم وإغلاقآ لباب الإعتراضـات التى أثارتهم .
ثانيها
*38
هو إهتمام الدولة والسلطة الرومانية بالريع أو الدخل المالى الذى يعود على الخزيــــنة الرومانية من الضرائب فقد كان النظام الضريبى لديهم ثابت ويرتكز على قواعد مبــــــــــنية على الإحصاءات وفى نفس الوقت توفر العدالة فى"توزيع العبء الضريـبى equitable census basis "فكان الإكتتاب أى التعداد السكانى راجع لوقا 2 : 1 .
"وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَــتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ.
وهناك إشارات تؤكد مدى إلتزام المسيح بالخضوع لتلك القواعد فى لوقا 20 : 22 – 25  "أَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعْطِيَ جِزْيَةً لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» فَشَعَرَ بِمَكْرِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ أَرُونِــــــي دِينَارًا. لِمَنِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا:«لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ:«أَعْطُوا إِذًا مَـــــــــــا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ».
وما ورد فى الإنجيل بحسب البشير متى 17 : 24 – 27
24وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ تَقَدَّمَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا:«أَمَا يُوفِــــي مُعَلِّمُكُمُ
الدِّرْهَمَيْنِ؟» 25قَالَ:«بَلَى». فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً:«مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمّـــــَنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟» قَالَ لَهُ بُـطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ. 27وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَــكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ».
وكذلك بولس راجع رومية 13 : 6 ، 7
" فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُـونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُــمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ.
 فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَــنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَــنْ لَهُ الْجِبَايَةُ.
 وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ.
وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ.
وثالثها
*39
هو السعى لتطبيق العدالة والقانون من خلال تشجيع الحكام المحليين للقيام بذلـــــــك لإظهار ولائهم لقيصر وكانت السلطة الرومانية وممثلوها يحاولون بإستمرار إلقــــاء عبء القيام بهذا على عاتق هؤلاء المحليين حتى تكون مسئولية إتخاذ القرارات على عاتقهم.
 راجع لوقا 23: 7
"وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضــــــــًا تِلْكَ الأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ."
  وفى أعمال 18 : 14 – 17
"وَإِذْ كَانَ بُولُسُ مُزْمِعًا أَنْ يَفْتَحَ فَاهُ قَالَ غَالِيُـونُ لِلْيهُودِ :«لَوْ كَانَ ظُلْمًا أَوْ خُبْثًا رَدِيًّا أَيُّهَا الْيَـهُودُ، لَكُنْتُ بِالْحَقِّ قَدِ احْتَمَلْتُكُمْ.
وَلكِنْ إِذَا كَانَ مَسْأَلَةً عَنْ كَلِمَـــــةٍ، وَأَسْمَاءٍ، وَنَامُوسِكُمْ ، فَتُبْصِرُونَ أَنْتُمْ. لأَنِّي لَسْتُ أَشَاءُ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا لِهذِهِ الأُمُورِ».
 فَطَرَدَهُمْ مِنَ الْكُرْسِيِّ. فَأَخَذَ جَمِيعُ الْيُونَانِيِّينَ سُوسْتَانِيسَ رَئِـيسَ الْمَجْمَعِ، وَضَرَبُوهُ قُدَّامَ الْكُرْسِيِّ، وَلَمْ يَـهُمَّ غَالِيُونَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ.
 كما كان المسيحيون من بين هذا الفريق الذى يشيد ويمدح فى العدالة الرومانية.
 أعمال 24 :10 
" فَأَجَابَ بُولُسُ، إِذْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ الْوَالِي أَنْ يَتَكَلَّمَ:«إِنِّي إِذْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ قَـــاضٍ لِهذِهِ الأُمَّةِ، أَحْتَجُّ عَمَّا فِي أَمْرِي بِأَكْثَرِ سُرُورٍ. " وفى رومية 13 : 4 لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعـَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّـــــيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ
الَّذِي يَفـــــــْعَلُ الشَّرَّ.
ولو أن هذا المدح لم يكن مطلـــقآ على الغارب كما سنرى
.
لقد كان هناك مجتمعآ يهوديآ فى روما منذ عام 63 ق.م وكانوا معاصرين لإنتصارات بومبــى وتم أسر بعض اليهود فى أثناءها ولكنهم إسترحموا بومبى فأطلق سراحــــــــهم ، وكما يقول سيسرو
Cicero *40   أن اليهود كانوا فى روما من عام 59 ق. م وقاموا بتأســـيس مجتمعٍ يهودىٍ على شكل إمارة داخل روما، وفى عام 19 م طردوا من روما عندما أصدر الإمبراطـــــور" طيباريوس Tiberius"مرسومآ خاص بذلك ولكنهم عادوا مرة اخرى بأعداد غفيرة حتــــــــــى زاد تعدادهم ووجودهم عن الحد المقبول فى ايام "كلاوديوس Claudius " من عام 41 حتى عــــام 54 م وبحسب السجل التاريخى المعروف بإسم "*41دايو كاسيوس" فهو يقول فيه أن "كلاوديــوس" فى بداية حكمه فرض تقييدآ لهذا المجتمع اليهودى فى بداية حكمه عندما لاحظ نمو وزيـــــــــادة تعدادهم ولكنه لم يتجه لطردهم كما فعل طيباريوس من قبل بل حظر عليــــــهم الإجتماع لممارسة عباداتهم السلفية لآلهة جدودهم *42 .
ثم بدأ إضطهاد نيرون لليهود عام 64 م قبل ست سنوات من خراب أورشليم ، ولم يكن حريــــــق روما وحده هو الكارثة  بل كانت هناك العديد من الكوارث والويلات التى جعلت المسيحـــــــــــيين يشعرون أنها النهاية والخاتمة التى أخبر بها رب المجد تلاميذه فى متى 24 ولوقا 21 ، بــل حتى الوثنيــون كانوا يشعرون بذلك ، فها هو المؤرخ الرومانى" تاسيتوس Tacitus" الذى كــــــان
يسجل تاريخ روما بعد موت ووفاة نيرون يقول " إننا مقبلون على أفعال كارثــــــية فيها من تلك الثورات والمنازعات والأعمال الدنيئة ليس فقط تلك التى تحدث فى العادة أثناء الثورات ولـــــكن حتى فى وقت عدم وجود هذه الثورات تم قتل أربعة أمراء بالسيف فى وقت واحد ، بينما نشـــبت ثلاثة حروب أهلية، بالإضافة إلى لعديد من الحروب الخارجية وصارت إيطالـــيا مشبعة بالكوارث فمدن كاملة يتم هدمها بالإضافة لما خلفه دمار الحريق ، فقد إحترقت المعابد القديمة حتى مبـــنى الكابيتول نفسه أضرم الناس فيه النيران،ولم يعد الشعب يراعى حرمة نظام الدولة وقيم المواطنة فإنتهكوا المقدسات وإنتشر الزنا والفجور حتى فى أقدس الأماكن ، وإمتلأ البحر مــن الأمــــــاكن المختارة على الجزر للنفى وتلونت أحجار تلك الجزر بلون الدماء وحل الهياج الرهيــــــــــب بين الشعب فى مدينة روما " 

ثانيآ :- فكر المجتمع اليهودى الذى مهد لخراب أورشليم وشتاتهم 

كان اليهود منذ البداية وبحسب أيديولوﭽيتهم غير مقتنعين أساسآ بمعيشة الأمم بينهم.
 فقد كان وجود الحامية الرومانية يسبب لهم مزيدآ من الضيق والنفور،وفى صلاة اليهودى بعدما يتطهر عقب غروب الشمس يتلو فى صلواته هذا القول" اللهم أشكرك لأنك لم تخلقنى أممــــيآ أو إمراءة " فقد كان يعتقد بنجاسة رجليه وملبسه لأنه يسير فى الشارع أثناء النهار ، نفـــــس ذلك الشارع الذى يسير فيه جميع البشر ومنهم المرأة وجنود الإحتلال ، وبذلك تلحقـــــه النجاسة من 
مجرد سيره على نفس التراب الذى وطأته أقدام هؤلاء وفى مكان سبق لهؤلاء المرور فيه .
ولقد أفرزت فترة حكم السلوقيين ، بكل ما مارسه هؤلاء من عدم فهم لطبيعة المجتمـــع اليهودى وثقافته ، أفرزت تلك الفترة رفضآ للوجود الأجنبى لا يظهر على السطح منه إلا النـــــذر اليسير ، مثلآ فى مرقس 15 : 6 – 15 يقول : 6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ، الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً.
8فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِـــــمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُـسُ:
«أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 10لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَـــاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ.12فَأجَابَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ : «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟».
13فَصَرَخُوا أَيْضًا:«اصْلِبْهُ!» 14فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُـرَاخًا: «اصْلِبْهُ!» 15فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ،أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ،وَأَسْلَمَ يَسُوعَ ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ.
فلم يكن باراباس لصآ كما يعتبره العامة اليوم فى المجتمع المسيحى ، بل كان مناضلآ يهوديآ ضد الوجود الرومانى .
ولم يتم صلب باراباس لأن بيلاطس أطلقه لليهود بحسب تقليده الذى يقضى بإطلاق (أسـير) واحد  كل عيد ولا حظ تعبيره(أسير) فهو شخص لم يرتكب جناية عادية ولكن جناية تمـس الولاء للدولة الحاكمة فهو مثل أسرى الحروب فى معاملته.
ولم يكن باراباس والجماعة التى كان يقودها هى وحدها التى جربت مقاومة المستعمر بالقــوة بل كان هناك الغيورين الذين ورثوا الكثير من مبادىء المكابيين فى ضرورة مقاومة المستعــــــــــمر بالرغم من كون المستعمر الرومانى قد زادت قوته وتماسكه وتنظيمه عما كان عليه السلوقيــــين فى زمان المكابيين ، طالع ما جاء فى الإنجيل بحسب البشير لوقا 13 : 1 ، 2 لتجد فئة أخــــــرى ذكرها الرب يسوع كانت تضمر نفس هذه التوجهات ضد الرومان حيث يقول :-
1وَكَانَ حَاضِرًا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. 2فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّــــــهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟
ولقد أفرز أدب فترة ما بين العهدين بما إحتوى عليه من أدب الملاحم والموال والسير الـشخصية للمناضلين ضد الإحتلال،بالإضافة للتركيبة الثقافية التى نشأ عليها اليهــــودى ، والأدب المسيانى الذى صار يجنح إلى شىء من الخيال فى تخيل شخصية المسيا القادم، فقد صـوروه كقائد محارب يركب جوادآ يضرب بحوافره الأرض ليخرج الذهب الذى يأخذه اليهود بيـنما يخرج الحصى ليعمى عيون الأمم ، بل يُنزِلُ عليهم من السماء مَنّآ مثل المن الذى نزل على بنى إسرائيل فى عهد وأوان الخروج وترى إنعكاسآ لتلك التصورات فى كلام الرب يسوع محــــــاولآ أن يشفيهم من داء الوهم والخيال المفرط هذا فى إنجيل يوحنا 6 : 47 – 51
"47 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. 48أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. 49آبَاؤُكُمْ أَكَلـــُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. 50هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ.    51أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ».
وبالرغم من التقسيم الإدارى الذى كان متبعآ فى ذلك الوقت من الناحية التنظيمية للدولة، فقد كان يحكم تلك البلاد ثلاثة من ورثة هيرودس الكبير ( الذى من المُفترَض ولادة الرب يسوع فى زمان ملكه ) وكان الثلاثة هم :- 
أرخيلاوس على اليهودية 4 ق. م – 6 م .
 هيرودس أنتيباس على الجليل 4 ق. م 39 م .
 هيرودس فيلبس4 ق. م- 34 م .
 لكن تلك المنطقة بكاملها كانت تنقسم إلى ثلاثة مقاطعات تاريخية،صارت متمايزة ومختلفة ثقافيآ عن بعضها البعض بالرغم من وحدة الإنتماء للدين اليهودى .
هذه المقاطعات كانت:-
 1- الجليل وعاصمتها "الناصرة" .
2- السامرة ةعاصمتها "سـوخار" .
3- اليهودية وعاصمتها " أورشليم ".
 
*43 ويقول يوسيفوس فى تأريخه لأحوال المجتمع فى تلك المقاطعات الثلاث، أنه كان هناك فـــى تلك الأيام قولآ مأثورآ وهو"إن أردت الغنى فإذهب إلى الجليل وإن أردت الحكمة فإذهب إلـــــــــى اليهودية".
فقد كانت منطقة الجليل تعج بوجود الأمم سواء من الكنعانيين أو الرومان أو اليونانيـــــــين، لذلك كانت تـُـعتـَـبر ملتقى تجارى هام يزيد سكان تلك المنطقة ثراء .
ولكن مقابل ذلك كان على سكان تلك المنطقة أن يتحلى سلوكهم بالتسامح والتعايش المرن فــــــى معاملتهم للأغراب على عكس ما كان لدى سكان اليهودية المتشددين الذين يحلمون بالمســـيا فى ليلهم ونهارهم ، ويفكرون فى الإستعداد لمقدمه من خلال التدريب على تلك الحروب التى تشــــبه حروب المكابيين ولذلك كان حديث نثنائيل بكل صلف للرب يسوع فى يوحنا 1 : 46 :-
46فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ:«أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ:«تَعَالَ وَانْظُرْ».
ولكن الرب كرز بنجاح فى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل إلى المجمع هناك وكان يلاقى ترحيبآ من الشعب حتى كان يتعمد السير خارج المدن لئلا يزحم لطريق ومعظم معجزاتـــــــــه قام بها فى وسطهم .
وقد أتى للرب يسوع يونانيون وكان بوصفه من الجليل يقبل التعامل معهم .
 راجع يوحنا 12 : 20 – 23
 "وَكَانَ أُنَاسٌ يُونَانِيُّونَ مِنَ الَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي الْعِيدِ. 21فَتَقَدَّمَ هؤُلاَءِ إِلَى فِيلُبُّـــسَ الَّذِي مِنْ بَيْتِ صَيْدَا الْجَلِيلِ، وَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ» 22فَأَتَى فِيلُبُّسُ وَقَالَ لأَنْدَرَاوُسَ، ثُمَّ قَالَ أَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ لِيَسُوعَ. 23وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا
قِائِلاً:«قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّــــــــــدَ ابْنُ الإِنْسَانِ.
لذلك يخطىء الوعاظ عندما يعيبون على الشعب الذى صاح مقابل الرب يسوع أثناء محاكـــمته فى يوحنا 19 : 15 " 15فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَــــكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ:«لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!».
وفى مرقس 15 : 13 ، 14 " 13فَصَرَخُوا أَيْضًا:«اصْلِبْهُ!» 14فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُــــــــــــسُ:«وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا:«اصْلِبْهُ!»".
وفى لوقا 23 : 20 – 25
" 20فَنَادَاهُمْ أَيْضًا بِيلاَطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ،  21فَصــــــــَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» 22فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً:«فَأَيَّ شَرّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَــــوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 23فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. 24فَــــــــحَكَمَ بِيلاَطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. 25فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْل ، الَّذِي طَلَبُــــــوهُ ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ."
وفى متى 27 : 22 – 24 " 22قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» قَــالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلَبْ!» 23فَقَالَ الْوَالِي:«وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخًا قَائِلِينَ: «لِيُصْلَبْ!» 24فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَــسَلَ يَدَيْهِ 
قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً:«إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!»."
فهذا الشعب هو شعب منطقة اليهودية المتشددة ، وليس شعب منطقة الجليل حيث كان قد تربى فى الناصرة وكانت كرازته معظمها فى داخل منطقة الجليل.
ويقول الوعاظ إن هذا الشعب الذى صنع الرب يسوع فى وسطهم معجزات ، شهد ضـــــــده وأنكر
 الجميل الذى صنعه بهم ، وينسون أنه ترك مكان إقامته ومركز إرساليته وتبشيره بين اليـــــهود المتسامحين من أهل الجليل  الذى إختار من بينهم أحد عشر تلميذآ من بين تلاميذه ، وصعـِـد إلى أورشليم وهو يعلم مسبقآ أنه ذاهب هناك ليصلب ، ولذلك أخبر تلاميذه بذلك بينما كانوا ذاهــــبين لليهودية مثلآ فى متى 20 : 18 ، 19 «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَـــلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، 19وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِــــهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».
وكان التلميذ الوحيد الذى إختاره الرب يسوع من أهل اليهودية هو "يهوذا الإسخــريوطى" الذى أسلمه ، كان سكان اليهودية يبحثون عن مسيا قائدآ ومخلصآ لهم من الرومان ومعــــــــــطيآ لهم مكانة بارزة بين الأمم وغنى مادى وطعام ( حتى بدون جهد أو عمل) .
أما السامرة فكانت مقاطعة منبوذه من اليهود ، فكما سبق وعلِمنا عدم نقاء سلالتــــهم حيث سبى الأشوريون أرضهم وقاموا بترحيل أهلها إلى عيلام ومادى(راجع الجزء الثانى صفحة 38 إلــــــى صفحة 39)وجعل مكانهم سكانآ منقولين من عيلام ومادى وأقاموا هناك ، وعندما هاجـــــــــمتهم وحوش الأرض ورفعوا مظلمتهم للملك الأشورى أرسل لهم كهنة من اليهود لترضــية إله الأرض (كما كان يعتقد الوثنيون)فتوصل هؤلاء لحلٍ وسط يفرض على هؤلاء عبادة يهوه مع عبــــــــادة آلهتهم،وبالرغم من عدم ثبوت إستمرار هؤلاء على هذا النهج من العبادة إلا أنـــــــــهم بسبب نبذ اليهود لهم عادوا للتمسك بالعبادة فى الجلجال حيث المكان الأصلى لخيمة الشهادة ( والتى لم يكن لها وجود فعلى فى ذلك الحين)وعادوا لفلسفة النصوص وخصوصآ أوامر الله لموسى بعدم العبادة فى أى مكان إلا بإذن وأمر من الله(راجع هذا الجـــزء ص 35 "بين خيمة الإجتماع والهيكل").
وتكفينا شهادة الرب يسوع نفسه كشهادة تاريخية عن سلوك أورشليم (كعاصمة لليهودية) عندما قال فى لوقا 13 : 33 :
33بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجًا عَنْ أُورُشَلِيمَ!
وقوله الشهير فى متى 23 : 37
37«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَـــــــعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 38هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا.
أما إحتفاء سكان أورشليم بالرب يسوع عند قدومه والموكب الإنتصارى فكــــــــــان تمهيدآ لجعله ملكآ يتبوأ مكانة المسيا فيحققون بذلك أحلامهم التى نسجها خيالهم لكنهم عندمــا خاب ظنهم فيما هم فيه متوهمون فانقلبوا عليه وصاروا أضادآ له .
لقد كان البلاط الإمبراطورى يرغب بكل جدية أن يقوم بعملية تحجيم للوجود اليــــهودى فى روما
بالطبع كانوا يتذكرون حروب المكابيين التى كان لهم فيها طرفآ خفيآ من خلال مســـــــاعدة عائلة "أنتيـﭘاتر"و"هيركانوس" ضد الحكام السلوقيين ، وأنهم بعد الحرب لم يثقوا فى حاكم يهــــودى ليقوموا بتعيينه حاكمآ على اليهود - كما يفعلون فى العادة فى سائر نواحى الإمبراطورية بإختيار حاكم محلى من أهل المنطقة - بل فضلوا أسرة"أنتيـﭘاتر"على"الحشمونيين"رغم أن هذه الأسرة أدوميه وغير يهودية ، وكان أصلها من صحراء أدومية ( التى هى حاليآ صحراء النقب جنـــــوب فلسطين ) وكان سر إختيارهم هذا هو عدم الثقة أو الركون لحاكــــم يهودى من بين اليهود بسبب إحتمالية خيانتهم وعصيانهم على سلطة الإمبراطور.
ولقد كانت وجهة نظرهم فى محلها .
فحدث أن أغريباس عندما سافر إلى روما ليؤدى فروض العبودية والطاعة(أى ذبيحة الإمبراطور التى كانت تقدم له فى عيد جلوسه على العرش إقرارآ بكونه رب
κυριευω"كيوريو" لهـــــــذه الإمبراطورية) لسيـده(ربه) نيرون ، بقي الوالى الرومانى لمقاطعة يهوذا فى اليهوديــــــــة وكان اسمه"فلورس Gessius Florus"وحيدا فانتهزا اليهود الفرصة وحاربوه بل قتلوا من الحامية الرومانية عدداً وافراً فهرب إلى قيصرية .
وفى طريق رجوع"أغريباس الملك"من روما مر على قيصرية وأتى بالقائد مع قائدين آخريــــن ومعهم جيش كبير، حيث سمع شكوى الرومان بخصوص مافعله اليهود بهم أثناء غيبته ثم توجه إلى اليهودية حيث خرج لإستقباله وجوه المدينة وأعيانها شاكين من جور القائد فلورس وظلمه ، وقالوا أنهم شقوا عصا طاعة روما بقصد الإستقلال .
فكان من رأيه أن ما قاموا بفعله كان حماقة وتصرف طائش ونصحهم بالعودة إلى طاعتــــــــهـــم وولائهم للإمبراطور أملآ فى الإستقرار والأمن ، وأن يتركوا العصيان ويرفضوه ، فلم يستجـــيبوا لنصحه ، وكان قواد الرومان فـي أيديهم قرابيين من نيرون لبيت هيكل سليمان (*44  فى عيــــــد الإمبراطور كانت تقدم له الشــعوب بــكل مواطنيها فى كافة نواحى الإمبراطورية ذبيحــــــــــة فى هياكله التى كانت تنتشــــــــر فى أنحاء الإمبراطورية وكان الـﭘروتوكول يقضى بأن يقدمها الحكام والوحهاء كذلك نيابة عن شعوبهــــم لدى الإمبراطور نفسه بينما يرسل هو بوصفه الرب عـــــــن الإمبراطورية ، ذبائح لكافة الآلهة التى يؤمن بها مختلف الشعوب فى هياكل تلك الآلهة الرئيـسية فى كل مكان وبلدة من البلاد الخاضعة للرب "السيد" قيصر ) فرفضوا قبولها بخشونـة واغتاظوا فقتلوا حامليها مع كل الرومان الذين في المدينة .
لقد كانت هذه الأفعال فى فلسطين مقدمة للعلامات التى أخبر بها الرب يسوع تلامــــيذه بخصوص خراب أورشليم وها هى قد بدأت فى الوضوح ، فقد كان صلب الرب يسوع ما هو إلا مجرد بــداية لتلك الأحداث المؤسفة التى دلت على وجود رغـبة متوحشه لدى قادة يهود منطقة اليهوديـة التى عاصمتها أورشليم بإهلاك كل من يصدهــــم عـن حلم المسيا الذى يدحر الرومان وينـــــــــشر فى وسطهم القتل والرعب ، فقد قاموا بقتل يعــقوب أخا الرب وكان أسقفآ لأورشليم ، بعد صلب الرب يسوع بفترة ، مع أنه كان أصلح شخصية يمكنها القيام بعمل مصالحة تاريخية بين الفكر اليهودى والمسيحية الوليدة ، وكان إضطهاد الكنيسة ليس فقط بسبب إبتعادها عن جادة الولاء للمـــــجتمع اليهودى، ولكن لأنها حولت التعليم بخصوص المسيا لبشارة بخصوص المسيح المصلوب ، وكان يهود منطقة اليهودية يعادون كل من يتجرأ بالتصريح عن أى فكرة بخصوص المسيا تختلف عن تصوراتهم الوهمية .
ويسجل المؤرخ اليهودى
"يوسيفوسJosephus" فى كتابه "خراب أورشليم"*45 فى الفـــصل السـادس والسابع من كتابه هذا ، حدوث ظواهر فلكية عجيبة إذ ظهر نجم مذنب فى السماء يشبه السيف لمدة عام كامل .
 وأن بقرة ولدت حمل(أى: الخروف الصغير) وسط الهيكل بينما كان رئيس الكهنة يتـــأهب ويهـُـمُ لذبحها قربانآ ( ذبيحة تقديس الكهنة ) .
 وكانت البوابة الشرقية النحاسية الثقيلة التى لا يمـكن فتحها أو إغلاقها إلا بواســــطة حوالى 20 رجلآ قوى البنيان تنفتح من تلقاء ذاتها أثـــناء الليل ورأى الناس بين الســــحاب ما تهيأ لهم أنهم جند مدججون بالسلاح .
وظهر فلاح إسمه"يوشيا"عام 63 قبل خراب المدينة بسبع سنوات (والحديث لا يزال لـــــــــــــــ يوسيفوس ) فى عيد المظال وهو يقول بين جمهور المعيدين بذلك العيد حول الهيكل بلغة نبــــوية (أى بإسلوب وطريقة الأنبياء):-"صوت من الشرق صوت من الغرب صوت من الرياح الأربــــعة 
صوت ضد أورشليم والبيت المقدس صوت ضد العرائس والعرسان صوت ضد هذا الشعب جميعه ويل ويل لأورشليم" وكان يصيح بأعلى صوته بهذا النداء فى الشوارع والطرقـات ، فإنزعج الحكام وقاموا بالقبض عليه ، أما هو فلم يقاوم من قاموا بالقبض عليه ولكنه إستــمر فى ندائه حتى وهو بين أيدى الحكام ، فأمر"ألبينوس Albinus"الوالى بجلده حتى ظـــهرت عظامه وأما هو فلم يقاوم بل إستمر فى هذا النداء وكان أحيانآ يبدله بصوت حزين مع كل جلدة ليقول (ويل ويل لأورشليم) ولم يحيب على أسئلة الحاكم ، فلم يعرف من يكون هذا الرجــــل ؟ ولا من أين أتى ؟ ولا من الذى حرضه على إذاعة هذا النبأ ! فأمر بإطلاق سراحه وحســــبه مجنــونآ يهذى لكن "يوشيا"إستمر يؤدى مهمته حتى نشوب الحرب وكان يردد مراثيه فوق سور المـدينة حـــتى ألقى عليه الرومان حجرآ أصابه فى رأسه فمات .
وكانت هذه السنوات الست مليئة بالأحداث والتطورات السيئة فى المجتمع اليهوديى فى منطـــــقة اليهودية فى عصرالولاة الرومان"فيلكس"و"فستوس"و"البينوس"و"فلوروسFlorus "فـقد إنتشر جماعات من المجرمين المأجورين "حملة الخناجر Sicarians"46* من الكلمـــة "sica أى خنجر" وكان هؤلاء يؤلفون عصابات منظمة تقوم بالقتل والإغتيال نظير أجر ، فكان من يريد التخلص من غريمه يؤجر هؤلاء ، فيذهب القاتل متتبعآ ضحيته حتى يسير بجواره والضحــــية لا تعــلم أن من يسير بجانبها ليس شخصآ عاديآ كما يبدو مظهره ولكنه يحــــمل سكينآ حاد النصلين فهــــــــو خنجر يشبه السونكى الذى تستخدمه القوات الخاصة للإلتحـــام المباشر وهو مسنن من الجهــتين ، ويوجد اليوم عند فوهات البنادق الحديثة .
فالمجرم من حملة الخناجر كان يسير إلى جوار المطلوب إغتياله ثم ينقض فجاءة عليه وبواسطة هذا الخنجر المدسوس تحت طـــــيات ملابسه كان يقتل هذه الضحـــــــــية ثم يلوذ بالفرار وتسهل العصابة له السبيل للهرب ، فأعوانه يكونـــــــــون منتشرون فى مختلف الأماكن حوله وفق خطة موضوعة سلفآ  ، حيث يفر إلى مناطق مزدحمة كالأسواق ويتوه فى الزحام .                                                                                أما بخصوص الحكم المحلى لمقاطعة اليهودية فقد كان يحكمها الملك"أغريباس
Agrippa  " وهو "أغريباس أرسطوبولس إبن مريم زوجة هيرودس وكانت من نسل المكابيين" ، وفى نفس الوقت كان يحكم البلاد الوالى الرومانى" فلورس Gessius Florus ".
لقد كان ذهاب الملك"أغريباس"لروما عام 66 ليس فقط لكى يقدم ذبيحة للأمبراطور ولكــن  كان فى نفس الوقت يريد أن يشكو للإمبراطور من طغيان"فلورس"الوالى .
ولكن بينما كان رسل الإمبراطورمن الرومان يحملون القرابين المرسلة من الإمبراطور للهيـــكل، كما عرفنا سابقآ أنهم لم يرفضوها بخشونة فحسب بل قتلوا حامليها ، وكان يقودهم فى هذا الأمر رجل عصابـات هو"أليعازار بن حنانيا الكاهن"، ولعله ظن فى نفسه – هو ووالده – أنه بذلــــــك سيعود لإحياء نفس ما قام به المكابــيون فى ثورتهم على السلوقيين ، أما اليهود فقد خافوا لأنهم بذلك سيتعرضـون لعقاب الإمبراطور فبادروا بشكوى"أليعازار"للملك"أغريباس"ليتـــــبرأوا من فعلته تلك فأرسل لهم 3000 جندى قاموا بالهجوم على"أليعازار وعصابته"فهزموهم ، لــــــــكن إستعانة أليـــعازار بحــَمـَلـَة الخنــاجر أدت لقتل وإصطياد الجنود الرومان ففرقوا شملهم وطردهم من المدينة وأحرقوا قصـر الملك وأتلفوا العديد من المبانى وسرقوا أموالآ ضخمة ، فإشــــــــتكى "أغريباس"منه للإمبراطور .
فما كان من الإمبراطور إلا أنه أرسل أمرآ لوالى سوريا وهو أرفع رتبة ولدية عدد أوفـــــــــر من الجنود أكثر من تلك التى تحت إمرة"فلورس"والى اليهودية ، وكان اسمه"سبيستوس جالوس"
"Cestius Gallus" فهو قائد فيالق الشرق وكان قد عاد لتوه من حربه ضد البـارثين والفرس والأرمن ، وأمره بإخضاع اليهود بحد السيف فأتى إلى أورشليم ومعه فيلقــــآ رومانيآ بينما قابله اليهود بالقتال ، وبالطبع لم تكن قوة اليهود الذين قاموا بعسكرة أفرادهم لمــواجهة الجيش لديهم نفس قوة وبطش الجنود الرومان  فإشتدوا عليهم حتى فر اليهود.ثم إنسحب الفيلق الرومانى خوفآ مما قد يسبب المزيد من القتل بين الجنود من خلال العصابات.
كما قام الإمبراطور نيرون بتجهيز جيش من ثلاثة فيالق من خيرة جنوده وقادته ، بقيــــــــــــــادة ﭬاسبسيان 
Flavius Vespasien وولديه تيطس ودوماسيوس ، أما اليهود فقد قســموا قواتهم لثلاثة فرق كانت فرقة منهم بقيادة" يوسيفوس بن كريون" .
 والأخرى بقيادة "أليعازار بن حنانيا الكاهن" .
والثالثة بقيادة"حنانيا الكاهن" .
ما حدث للقسم الأول من هذا الجيش اليهودى هو أنه توجه إلى طبرية ، وكانت فى ذلك الوقــــــت تحت حماية الجنود الرومان فقد تجمع فيها قدر كبير من الشعوب التى كانت تكره اليهود والذيـــن إحتشدوا لتأييد الرومان      وعندما إشتدت المعركة على يوسيفوس إنسحب لحصن الجليل
 فأرسل إليه القائد الرومانى يلاطفه ويطلب منه الإستسلام وتسليم الحصن فرفض
فهاجمته الفيالق الرومانية ودارت الحرب وإشتدت وكاد أن ينهزم الجنود الرومان ، فـنزل "ﭬاسبسيان"بنفسه وإندفع داخل خطوط اليهود فأصيب فى ساقه . 
ولما شعر جنوده بذلك إستقتلوا بشراسة حتى إنسحب اليهود إلى الحصن . 
وظلت الحرب بينهم سجالآ لمدة 48 يومآ ، كانت خلالها تتناقص قوة اليهود شيئآ فشــــــــــيئآ إما بسبب القـــــــتل فى الحرب أو بسبب الفــــرار فصار الباقون منهم بعد ال 48  يومآ ولم يتبقَ غير "يوسيفوس"ومعه 40 شخص فقط  . 
وفر هؤلاء الباقين مع يوسيفوس من خلال نفق الحصن خلسة  . 
لكن الرومان عرفوا مكانه فأرسلوا إليه بطلب الإستسلام فكان"يوسيفوس"موافقآ على ذلك غير أن زملائه وبخوه وكان رأيهم هو أن يقتلوا أنفسهم أفضل من تسليم أنفسهم للرومان، فعــمل لهم حيلة(خدعة) فأظهر أنه إقتنع بأن معنى الرفض هو الموت بواسطة الرومان ، فإذا كانوا يرغبون فى الموت فعليه أن يلقى قرعة بين كل إثنين منهم ومن يفوز فى هذه القرعة يقتل صاحبه فوافقوا وقتل بعضهم بعضآ حتى لم يتبقى غيره .
فخرج للإستسلام وصار عبدآ بقية حياته للرومان ، وبإستــــسلام يوسيفوس صارت كل المنطقــة الشمالية ( الجليل ) تحت سيطرة الدولة الرومانية من جديد .
أما بخصوص الفرقة الثانية التى بقيادة حنانيا الكاهن فقد
فر إليها اليهود الذيــن كانوا يقاتلون  جيش "يوسيفوس" فـــــقد انتشر الشر بينهم ولعب الشيطان برؤوسهم ، وقد كان هناك رئيــــــسآ لعصابة في الجليل ، كان قد قام بجـمع بعض أدنياء اليهود وأوباشهم حوله وبـذلك صارت لـه قوة وبطش كبير بعد أن جمع هؤلاء المجـرمين حوله،فدخل إلى أورشليم وفتك بأهلها لفرض سيطرته على كل من يخالفه فقاومه "حنانيا الكاهن"، ولكنه لم يستطع السيطرة عليه فإشـتكى إلى" أغريباس" أهل المدينة ، فبعـــث تحت هذا الظرف القوى ليستنجد بـﭬـاسباسيان فلم ينجده، لأنه عرف أن من بداخل المدينة منقـسمين وكانت نيته فى الأصل محاربتهم ، فتركهم القائد الرومـانى ليزداد إنقسامهم بدون تدخل منه لأنه رأى أنَّ مصلحته أن يقتل اليهود بعضهم بعضاً . 
وإتجه بقواته إلى بلاد آدوم ، فإنتصر على فرقــــــة اليهود الثالثة التي كانت في بلاد آدوم تحـــت قيادة"أليعازار بن حنانيا الكاهن"في بضعة أيام ، ولكن من الظاهر أنها لم تكن الهزيمة النهائـــية ونتيجة للهزيمة المتواصلة إنقسم اليهود إلى فرق عديدة،فقد جمع رجلاً إسمه "شمــــــــــــعون" عصابة حوله وقام ليغزو البلاد ويستولى عليها ويفتك بأهلها ويتلف مزروعاتهم وينــهب أموالهم فصارت له مكانة كبرى وكان مهوب الجانب، فإتجه إلى أورشليم وقام بإزعاج أهلها فأصبحوا في بلاء مزدوج(فرقتين من العصابات ضد بعضهما البعض وضد الأهـالى فى ذات الوقت) وضيق من الخارج(بسبب القوات الرومانية بقيادة ﭬـاسباسيان وولديه)وكان الناس قد سئموا ظلم "حنــانيا" الكاهن نفسه وظنوا أن"شمعون"سيكون أفضل إحتمالآ له من "حنانـيا" الذى ثبت فشـــــــله فى حمايتهم وربما سيكون"شمعون"هذا أكثر شفقة ورفقاً بهم من حنانيا،ففتحوا له ابواب المدينة .
وعندما تمكن من السيطرة عليها أضاف عليهم ثقلاً إضافيآ فوق الثقل الذى كانوا يشتكـــون منه ، وأذاقهم الذل وسمع"أليعازاربن حنانيا"قائد جيش بلاد ادوم بمصائب أورشليم فأسرع لإنقـــــــــاذ أهلها من مخالب هذين الزعيمين ، ونجدة والده ، فلما وصل لم يتمكن من طردهم بل أصبح حملاً أخرآ ، يتطلب يقاؤه مزيدآ من الأموالً والغذاء لجيشه على كاهل الشعب المغلوب على أمره
.
أما تيطس فكان في هذه الفترة في بلدة قيصرية ينتظر وصول الفيالق المقدونية والدانوب
ـــــــية  Ve légion Macedonica و legio X Fretensis حتى يـُعـِدُهـــم للحرب ، وبعد وصولهم ، زحف حتى وصل إلى جبل الزيتون ونصب معسكر جيشه في إتجاه شعار"أهيا الاليهود المقدس" و"شعار النسر الرومانى"علامة الدمار والخراب و العظمة الرومانية في 28 مايو ســــــنة 70م ومن الأسباب التي جعلت القائد الرومانى"تيطس"يسرع في الزحف تجاه العاصمة أورشليم هـــو طمعه ورغبته في رجوعه وعودته إلى"روما"لأن والده أثناء تلك الأحداث بلغه أن الإمبراطـــور "نيرون" قد مات وولى"جاليبا" نفسـه بضعة أشهر من عام 68 م – 69 م، ثم فرض"أوثـــــو" نفسه عام 69 م فنحاه"ﭬيتيليوس"فى نفس العام أى عام 69 م ، أما"ﭬـاسباسيان"والد"تيطس" فقد كان مؤيـَّـدآ من القوات الرومانية الموجودة فى ســــــــــوريا وفى فلســـــــــــطين تحت قيادة ولديه "دوماسيوس" و"تيطس" فذهب وتولى عرش الإمبراطورية بدلآ من"ﭬيتيليوس" .
وبعد جلوس والد"تيطس"على كرسى العرش،لاحظ زعماء اليهود الثلاثة أنفسهم أنهم منقسمون رغم كونهم قد أدركوا أن الجيش الرومانى أمام سور المدينة فكفوا عن محاربة بعضــــهم البعض وأصطلحوا وأتفقوا على قتال العدو .
ولكن عندما هاجمت الفيالق الرومانية القدس في 30 مايو من الشمـــال وإلتحم الفريقان ببعض ، إنهزم اليهود وإنسحبوا إلى المدينة. 
ثم أخرجوا قوة من المدينة في غفلة من الرومان ودارت من خلف صفوف الرومان ككمين .
ثم أستأنف اليهود القتال مرة أخرى وخرجوا من المدينة، وعندما إلتقى الفريقان في هذه المــــرة قام الكمين بالهجوم على مؤخرة جيش الرومان وحصروهم في الوسط ، ولكنهم فشلوا فى ذلـــــك فعاد اليهود إلى المدينة ،كما عاد زعمائهم إلى التشاحن والتنافر والخلاف وبدأوا يفتكون ببعضهم البعض ، وطيلة فترة القتال كان إذا ضايقهم الرومان يصطلحون مع بعض وإذا كف الرومــان عن قتالهم قاتلوا بعضهم البعض فكانت الدماء لا تنقطع وتسيل دائما عند اليهود  .                   
وفي 6 اغسطس عزز الرومان حصارهم للمدينة فاستعملوا كبشآ حديديآ(آلة حديدية تشبه كبـش الماعز)وكذلك إستخدموا ما معهم من الألات والأبراج والمجانيق حتى إقتربوا من أســوار المدينة ومن الحصن وكان الرومان رغم إرتفاع الأسور كانوا يضعون تحت الأبراج بكرات قادرة على أن ترفع الرجال للقتال من فوقها ، فلما رآها اليـــهود قلقوا وأحسوا بالخطر فأتحدوا وخرجوا لقتالهم وأحرقوا بعض هذه الألات وحاولوا تفريق الروم وإبعادهم عن الحـصن لكنهم فشلوا، فرجعوا إلى المدينة .                               وبدأوا فى ترميم الآتهم وعمل المزيد منها ، أما اليهود فرجعوا للتقاتل مع بعضهم البعض وكانـوا فى ذلك الوقت يعانون من نقص الغذاء بسبب حصار الرومان لهم وقطع طريق الإمدادات عليهم ، فشعر تيطس بإنشغالهم ، فدفع الكبش خلسه في خدعة إلى السور الأمامى (كانت الحصـــــون لها أثنين أو أكثر من الأسوار بحيث إذا سقط السور الأول أمكن للمحاربين الدفاع عن أنفســــــهم من وراء السور الثاني ) وهدم جانباً كبيراً من السور الأمامى فهرب اليهود الذين كانوا يحتـــــــــمون به ويحاربون منه إلى السور الثاني ( يُـعتــَـقـَـدُ أن السور الثاني هو الذي كان يحمى الهيكل ) ، وأمــر"تيطس"أن يتم نقل الأحجار والأنقاض بعيداً وتوسيع هذه الفتحة  حتى يتمكن الجـيش من الهجوم والإنسحاب أى الكر والفر. 
ولما شاهد اليهود إنهيارهم أمام الرومان تصالحوا مع بعض وفرقوا أبطالــهم على جهات المدينة وصبروا على القتال،ولكن تقدمت جحافل جيوش الرومان في تشكيلاتهم المخيفة، ودفعوا بالكبش إلى السور الثاني فسقط منه جانب أيضاً، فتراكض اليــــهود نحو منطقة الثغرة أملآ فى صد هجوم الرومان .                                           وقرر الرومان تجويع سكان المدينة لكي يستسلموا فقلعوا جميع الاشجار من حوالي خمــــــــسة عشركيلومتر من المناطق المحيطة بأورشليم ، وأقاموها كأسوار وموانع بمسافة ثلاثة كيلومترات حول المدينة لمنع أحد من الهرب منها والافلات منهم
عندما بدأت المواد الغذائية  تنفذ في المدينة المحاصرة، ترك بعض اليهود المدينة متجــهين إلى الوديان امام اسوار المدينة علهم يجدون شيئاَ يقتاتون عليهِ،ويصور"يوسيفـــــــــوس"فى كتابه حوادثآ رآها لسيدتين تنتهزان فرصة هبوط حمامة على الأرض لتنقضان معآ بأمل الإمـــساك بها لأكلها فقد حدثت مجاعة لم تشاهدها البلاد فى أى عصر من عصورها حتى تلك التى حدثــــت فى زمان إيليا النبى ، وبسبب هذه المجاعة كان اليهود يحاولون الإقتراب من السور الذى شـــــــيده "تيطس"، فكان الجنود الرومان يُمسكون بحوالي خمسة آلاف منهم باليوم الواحد ، فيتفـــــننون ويتلذذون بتسميرهم وصلبهم بأوضاع مختلفة على الصلبان.                                       وإزداد عدد الذين يموتون يومياَ من جراء الحصار فإِمتلأ وادي قدرون بالجثث، وقد أخبر القائـــد "تيطس"بعض الذين تم إلإمساك بهم من اليهود الهاربين بأَنَّ عدد الموتى الذين أُلقوا في الوادي وصل إلى 115880 شخص متوفى.
 بينما بلغ عدد الذين ماتوا أثناء الحصار بلـــــغ 1100000 شخص .                                                          وفى هذا الوقت دفع تيطس بالكتيبة العاشرة من الفيلـــــــــق Ve légion Macedonica التي جاءته وهاجمت بكل قوة على اليهود ففرق شملهم ، حينئذ كف"تيطس" عن الحرب حتى لا يسفك المزيد من الدماء، وأمر "يوسيفوس" المؤرخ اليهودى أن ينصح قومه ويتكلم معهم في أمر الصلح من أسفل السور، ففعل ونصحهم مرشداً حتى لا ينتهى وجود الأمة اليهودية على أرضهم وأثناء كلامه بكى الذين سمعوه لشدة تأثير أقواله عليهم  ،أما بعض اليهود فتضايقوا منه ورشقوه بالحجارة من أعلى السور حينئذ قال لهم :"تقســون ليتم ما حكم الرب به عليكم من هلاك هذه المدينة وخراب هذا القدس الجليل إذ سفكتم فيه دم البار"(يشير بكلمة البار إلى يعقوب الذي كان يطلق عليه هذا الأسم دون غيره ) فلذلك قد قــــست قلوبكم وصارت كالحجارة لأن الحجر يؤثر فيه الماء إذا تواتر إنصبابه عليه وأنتم لا تنجــــح فيكم المواعظ مع كثرتها ولا تنتفعون بها ولا تلين قلوبكم ولا تخضع .           ولما رأى تيطس الدموع تنهال على خدى"يوسيفوس"المؤرخ اليهودى الذي كان مرافقاً له ومشاهداً الأحداث رق قلبه وأمر بإطلاق الأسرى اليهود وأحسن إليهم ، ولكن الذى تأثر من كلام "يوسيفوس" من عامة الشعب حتى رغب كثير منهم الخروج إلى معسكر الرومان ، تصدى لهم  العصاة في الداخل ونكلوا وقتلوا كل من حاول الخروج .
 ولما يئس تيطس من طاعة اليهود وإتمام الصلح عزم على هدم سور المدينة الثالث فقـسم عسكره على أربعة جهات للمدينة ليهدم بها السور من كل جانب ، وخرج عصـــاة اليهود لــلقتال فهزمهم الرومان . كما أمر "تيطس" جنوده في 6 اغسطس بتدمير هيكل سليمان واحراقــــه لمـنع اليهود من الاحتماء بداخله وفي 28 اغسطس كان الهيكل قد احترق تمامآ هو و قصر" هـيرودس الكبير"، كما تم تدمير اسوار القدس ودك المدينة حتى تساوت الأرض ،وكان ذلك فى مـــــثل ذلك الشـهر ولكن فى عام 586 ق. م عندما تم هدم هذا الهيكل وسبى اليهود إلى بابل . 
وبهـــذا العمل انهى الرومـــــــان تمرد اليهود في الشطر الأكبر من فلسطين ولم تبقى إلا المنطقة الجنوبية حول حصن مســـــادة حيث تواصل التمرد والعصيان فترة وجيزة لمدة عامين من سقوط أورشليم .                          كما تم تطهير أورشليم تمامآ من اليهود ثم عاد تيطس إلى روما سنة71 م ليحتفل بنصره ، وهـــو يحمل معه كنوز هيكل سليمان والالاف من اليهود العبيد الذين عرضهم على شعب رومـــــــــا في موكب نصر لم تشهد روما مثله وبلغ عدد هؤلاء الأسرى 97000 أسير ، وقـــــام الرومان بعدها بضم مقاطعة اليهودية لسوريا وقام حاكمها"لوسيوس فلاﭬـيوس سيلـﭬا" Lucius Flavius Silva بإكمال القضـاء على اليهود و منع اليهـود من ممارسة شرائعهم الدينية في القدس.------*35web of pacts 
36*
A.N.Sherwin-White,Roman Society and Roman Practice,1963.
*37 
F.E.Adcock,Roman Political Ideas and Practice,1959.          
*38 A.H.M.Jones,Studies in Roman Government and Law, 1960
*39 M.Rostocvtzeff, The Socialand Economic History of the Roman Empire,
1957
*40 F.J.Foakes-Jackson, Peter,Prince of Apostles., 1927,p.195
*41 
Dio Cassius " History Lx.6
*42 F.F.Bruce, Christianity under Claudius , BJRL,XLIV,1961-62 .pp.309  
*43 عزت زكى"الدكتور" . "فلسطين فى زمن المسيح"ترجمة عن الجزء السادس من تاريخ يوسيفيوس ص ص 20 . الناشر لجنة النشر لجمعية خلاص النفوس . 1969 . القاهرة .
*44 مارثا روى "الدكتوره" . "محاضرات فى تاريخ الكنيسة ". كلية اللاهوت الإنجيلية عام 1970-1971
 تم الكشف مؤخرآ فى الفيوم عن شهادات بأداء ذبيحة الإمبراطور وكان المسيحيون الذين يرفضون تقديم تلك الذبيحة يمكنهم شراؤها من كهنة الإمبراطور .
*45
 " Josephus, "the destruction of the Temple.( http://www.josephus.org/causeofDestruct.htm )
*46 Gk, Σικαριος ( From Lat.,sicarius.fr.,sica) means draggere, poniard.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق